فان قلت: فعلى هذا يكون الأنسب تقريره بهذا النحو في هذا السنخ من الاحكام وتقريره بطريقة المتأخرين في الاحكام العبادية المحضة الجارية فيها مراتب الامتثال فيحكم فيها بالاحتياط التام ثم بالمبعض.
قلت: بعد إجراء الانسداد في غير العباديات المحضة بالتقرير الأول واستكشاف حجية الظن منه لا تتم مقدمات الانسداد بالتقرير الثاني في الأمور العبادية إذ لا تصل النوبة فيها إلى التبعيض في الاحتياط فان الاحتياط التام في خصوص العبادات لا يستلزم العسر والحرج فكيف باختلال النظام، إذ كثير من اجزائها وشرائطها يحصل بالقطع وما لا يحصل به ليس بمقدار يلزم من الاحتياط فيه ذلك. كيف و ليس جميع العبادات الموظفة في الاسلام مما يبتلى به جميع الناس فان الحج وكذا الخمس والزكاة مما يبتلى به بعض الناس، فكل مكلف يتمكن من الاحتياط في خصوص العبادات الثابتة عليه.
هذا مضافا إلى أنه، بعد ما ثبتت بالتقرير الأول حجية الطرق الظنية المتعارفة في أبواب المعاملات والقضائيات ونحوها، يحصل العلم بحجيتها في العباديات أيضا إذ نعلم أن الشارع لم يرد تحصيل الاحكام العبادية بطريق مخالف لما أراد تحصيل غيرها به. فافهم.
وملخص ما ذكرناه: انا نعلم إجمالا بثبوت أحكام كثيرة في الديانة الاسلامية ولها شعب مختلفة فبعضها راجع إلى المعاملات وبعضها إلى السياسات كأحكام الحدود والقصاص والديات ونحوها وبعضها إلى القضائيات وفصل الخصومات وبعضها إلى العباديات المربوطة بوظيفة العبد بينه وبين خالقه، والامر في أكثر الوقائع يدور بين المحذورين، والشارع أراد إعمال هذه الأحكام بالنفر لتحصيلها ثم نشرها ثم العمل بها بشعبها المختلفة، وحينئذ فاما ان يقال: بان الواجب إعمالها سواء قام عليها طريق قطعي أو ظني أو لم يقم فهي أحكام فعلية على الاطلاق أو يقال بان الواجب إعمالها إذا قام عليها طريق علمي فقط أو يقال بان الواجب إعمالها إذا قام عليها طريق قطعي أو ظني.
لا سبيل إلى اختيار أحد الشقين الأولين لاستلزام الأول فعلية الاحكام في متن الواقع وثبوت العقاب على ترك إعمالها وان لم يقم عليها طريق أصلا وهو واضح البطلان، واستلزام الثاني تفويت أغلب الاحكام، فان تحصيل العلم القطعي في هذه الأحكام الكثيرة في الأبواب المختلفة متعذر حتى في زمن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، بل الظاهر أن باب العلم في أعصارنا أفتح من أعصارهم فان الاخبار المتشتتة قد جمعها مؤلفو الجوامع في عصر الرضا عليه السلام ثم جمع هذه