حرمة مخالفتهم لا وجوب موافقتهم. ولكن الأولى والأحسن ان يقال: ان مفاد الآية وجوب اتباع المؤمنين بما هم مؤمنون، إذ تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية. ومن الواضح ان الايمان بما هو إيمان بالله وبرسوله لا يقتضي الا إطاعة الله وإطاعة رسوله فيما يأتي به من الله تعالى وفيما يحكم به بولايته وسلطنته والإلهية على الأمة.
وبالجملة فمرجع الآية إلى وجوب اتباع المؤمنين فيما يقتضيه إيمانهم، من العمل بكتاب الله تعالى وإطاعة رسوله والتسليم له، فيكون عبارة أخرى عن حرمة مشاقة الرسول ومخالفته، والعطف تفسيري. وأين هذا من لزوم اتباعهم فيما اتفقوا عليه ب آرائهم ولو لم تكن مما يقتضيه إيمانهم.
ومن الآيات أيضا قوله تعالى في سورة آل عمران (110): (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر و تؤمنون بالله.) حيث وصف الله تعالى الأمة الاسلامية بأنها خير أمة، فلا يجوز عليها بمجموعها وبما هي أمة الخطأ والا لخرجت عن كونها خيرا وجاز أمرها بالمنكر ونهيها عن المعروف.
وفيه، ان الآية ليست بصدد بيان حال الأمة خارجا واتصافها خارجا بالخيرية، بل بصدد بيان ملاك الخيرية والسعادة وان الأمة تكون خيرا لو فرض اتصافها خارجا بصفات ثلاث يرتبط إحداها بروابطها مع الله وهو الايمان به بلوازمه والاخريان بروابط بعضهم مع بعض أعني الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فملاك كون الأمة خيرا تحصيلها لهذه الصفات الثلاث واتصافها بها.
وبالجملة مفاد الآية قضية شرطية فتدبر. هذا.
وقد تحصل لك مما ذكرنا، ان الاجماع عند العامة اتفاق أهل الحل والعقد في عصر واحد على امر من الأمور الدينية. وعلى هذا الأساس مشى القدماء من أصحابنا ولا سيما في المسائل التي كانوا يحاجون فيها أهل الخلاف ولكن أرادوا به دخول الامام المعصوم وكونه الملاك في الحجية.
وان شئت قلت: أرادوا به قوله الذي هو الملاك في حجيته عندهم.
واما ما يرى في كلمات الفقهاء المتأخرين، من دعوى الاجماع في بعض المسائل، فلا يراد به ما هو المصطلح عليه عند القدماء، بل يراد به اتفاق جميع أهل الفن نظير ما يدعيه كل ذي فن في بعض مسائل فنه، فليس المقصود دخول المعصوم عليه السلام فيهم. وعلى هذا فيقع الاشكال في وجه حجيته فنقول:
اما في ساير الفنون غير علم الفقه فلا دليل على حجيته الا إذا حصل القطع بسببه. واما في المسائل الفقهية ففي حجيته ووجهها خلاف.