الاجماع في اللطف على ما نسب إليه في الرسائل وأسقط بذلك إجماعات الشيخ عن الاعتبار.
بل مقصوده ان الطريق لكشف قول الإمام إن كان اتفاق الفقهاء غير الامام فحجيته لا تكون الا من طريق اللطف كما لا يخفى على من راجع العدة.
وقد ظهر لك بما ذكرناه إلى هنا: ان الاجماعات المنقولة في كلمات القدماء من أصحابنا كالشيخين والسيدين وغيرهما، ليست بمعنى ان ناقل الاجماع استكشف قول الإمام عليه السلام من اتفاق جماعة هو داخل فيهم، أو ان أقوالهم أوجبت علمه بقول الإمام عليه السلام لطفا أو حدسا، بل قصدوا بالاجماع ما هو الملاك عندهم لحجيته وهو نفس قول الإمام الواصل إليهم بالأدلة المعتبرة.
والظاهر منهم وصول قوله عليه السلام إليهم بالطرق الحسية أعني الاخبار الموجبة للعلم، فيشمله أدلة حجية الخبر. بل لو فرض الشك في كون إدراكه له عن حس أو حدس فالظاهر حمله على كونه عن حس، فان الشخص العادل إذا أخبر عن امر وكان من المحتمل استناده إلى الحس أو المبادئ الحسية الظاهرة، فقوله حجة عند العقلا ويكون دعواه الاجماع بمنزلة نقل قول الإمام عليه السلام عن حس.
ومن ذلك يعلم منشأ تعارض الاجماعات المنقولة، إذ من الممكن ان وصل إلى كل من ناقلي الاجماع قوله عليه السلام بطريق معتبر عنده لكثرة الاخبار المتعارضة في الأبواب المختلفة . [1] ويظهر هذا الامر لمن تتبع كلمات شيخ الطائفة. فتراه مثلا تعرض لمسألة منجزات المريض في سبعة مواضع من كتاب الخلاف ونسب فيها إلى أصحابنا قولين: إخراجها من الأصل، وإخراجها من الثلث، وأشار فيها إلى روايات الأصل وروايات الثلث معا.
ولكنه في كتاب العتق من الخلاف رجح اخبار الثلث وحكم بإخراجها من الثلث وقال:
(دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم.) فيعلم بذلك، ان مقصوده من الاجماع ليس الا قول الإمام الثابت له بعد ترجيح اخبار الثلث ولم يرد به اتفاق الأصحاب.
وعلى هذا فناقل الاجماع إن كان عدلا وثقة وكان نقله محتملا لكونه عن حس، كان نقله [1] أقول: إذا كان مرجع نقل الاجماع إلى نقل وصول خبر معتبر عن الأئمة عليهم السلام عند الناقل، والمفروض ان الاخبار المتعارضة كثيرة في الأبواب المختلفة من فقهنا فيرجع نقل الاجماع إلى ترجيح بعض الأخبار على بعض. ومرجع هذا إلى نقل اجتهاد الناقل فيخرج عن كونه اخبارا عن امر حسي.
وان شئت قلت: ان اخباره يرجع إلى الاخبار عن اعتبار الخبر الذي اعتمد عليه وهذا امر يدخله النظر والاجتهاد فان المباني و المشارب في شرائط اعتبار الخبر مختلفة جدا فيشكل ان يعامل مع اخباره هذا معاملة خبر العادل الثقة. ولو فرض الشك في كون اخباره عن حس أو عن حدس فإنما يحكم العقلا بالحجية فيما إذا لم يكن الغالب فيها هو الحدس كما في المقام.