الثاني: اتفاق أهل كل فن من الفنون على مسألة من مسائل هذا الفن، كاتفاق الصرفيين مثلا على لزوم إعلال الاجوف، واتفاق النحويين على كون الفاعل مرفوعا، وهكذا في جميع العلوم والفنون، ومنها علم الفقه. فإذا قال العلامة مثلا في التذكرة أو المنتهى: أجمع علمائنا أو أجمع علماء الاسلام فهو على هذا الاصطلاح. وقد جرى دأب كل ذي فن على أن يشير في كل مسألة مطروحة إلى أن المسألة من المسائل الخلافية أو مما أجمع عليها الكل. هذا.
والاصطلاح الأول هو المتداول عند العامة وهو الأصل لهم، حيث بنوا عليه أساس مسألة الخلافة، وهم الأصل له، حيث ذكروه في كتبهم و برهنوا له في علم الأصول وهم ألفوا في الأصول قبل الخاصة، ومنهم ورد علم الأصول فينا. ومقتضى كلماتهم، كون الاجماع بما هو إجماع واتفاق، حجة بنفسه في قبال ساير الأدلة من الكتاب والسنة والعقل، لا بملاك كونه كاشفا عن قول المعصوم أو السنة القطعية.
فاتفاق أهل الحل والعقد في عصر واحد حجة عندهم بنفسه، وكل واحد من الأقوال جز من الحجة. واستدلوا له بأمور منها الحديث الماضي.
واما أصحابنا الإمامية فلما رأوا اعتماد العامة على الاجماع بهذا المعنى واستدلالهم له بالحديث المذكور وببعض الآيات أوردوا عليهم أولا: بان الحديث المذكور غير ثابت عندنا والآيات المذكورة لا دلالة لها.
وثانيا: بان اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وآله لو فرض تحققه في عصر واحد فلا محالة يكون الامام المعصوم عليه السلام أيضا داخلا فيهم لعدم خلو عصر منه عليه السلام فنحن أيضا نعترف بحجية الاجماع المذكور ولكن لا بمعنى كون الاجماع بنفسه حجة مستقلة بل لاشتماله على هذا الفرض على قول الإمام المعصوم عليه السلام فيكون هو تمام الحجة حقيقة والباقون من قبيل ضم الحجر إلى الانسان، فإذا رأيت قدماء أصحابنا استدلوا في مسألة من المسائل المختلف فيها بيننا وبين العامة بالاجماع كما هو دأب السيد المرتضى في الانتصار والناصريات، والشيخ في الخلاف، وابن زهرة في الغنية وهكذا، فالظاهر إرادتهم الاجماع على هذا الاصطلاح لا اتفاق جميع الفقهاء في جميع الأعصار، ويريدون بذلك المماشاة مع العامة في الاستدلال بالاجماع ولا يريدون الا اتفاق جماعة متضمن لما هو ملاك حجيته عندنا أعني الامام المعصوم عليه السلام. وان شئت قلت: لا يريدون بذلك الا قول المعصوم عليه السلام.
لا يقال: إذا فرض ان الحجة عند أصحابكم قول المعصوم عليه السلام وان انضمام ساير الأقوال إليه من قبيل وضع الحجر بجنب الانسان فلم عبروا عن ذلك بالاجماع؟