ولكن يمكن ان يقال: ان ما ذكروه من اتفاق جماعة فيهم الامام المعصوم عليه السلام مجرد فرض يشكل إحرازه في المسائل، إذ قلما يتفق اتفاق جمع من العلماء على حكم شرعي بحيث يقطع بدخول شخص المعصوم فيهم مع عدم معرفته بشخصه. وقد كنا في سالف الزمان حين قراءتنا للمعالم والقوانين نتعجب من طرح هذا الموضوع في كلمات الأصحاب.
وكيف كان، فالاجماع في اصطلاح العامة عبارة عن اتفاق العلماء وأهل الحل والعقد في عصر واحد على مسألة دينية. وعلى وفق هذا الاصطلاح جرى فقهائنا المحاجين لهم في المسائل.
قول الباقين الا مع العلم القطعي بدخول الامام في الجملة.) هذا.
وفي أول مبحث الاجماع من عدة الشيخ رحمه الله قال: (والذي نذهب إليه: ان الأمة لا يجوز ان تجتمع على خطأ وان ما يجمع عليه لا يكون الا صوابا وحجة، لان عندنا انه لا يخلو الاعصار من امام معصوم حافظ للشرع يكون قوله حجة يجب الرجوع إليه كما يجب الرجوع إلى قول الرسول صلى الله عليه وآله. فان قيل: إذا كان المدعى في باب الحجة قول الإمام المعصوم عليه السلام فلا فائدة في أن تقولوا: ان الاجماع حجة أو تعتبروا ذلك بل ينبغي ان تقولوا: ان الحجة قول الإمام عليه السلام ولا تذكرون الاجماع.
قيل له: الامر وإن كان على ما تضمنه السؤال، فان لاعتبار الاجماع فائدة معلومة وهي انه قد لا يتعين لنا قول الإمام في كثير من الأوقات فيحتاج حينئذ إلى اعتبار الاجماع ليعلم بإجماعهم ان قول المعصوم داخل فيهم. ولو تعين لنا قول المعصوم الذي هو الحجة لقطعنا على أن قوله هو الحجة ولم نعتبر سواه على حال من الأحوال.) أقول: قوله: (ان قول المعصوم داخل فيهم) ان أراد به دخول شخص المعصوم في المجمعين وان لم يعرف بشخصه، كان الاجماع دخوليا لا محالة. ولكن يحتمل انه لم يرد بذلك دخول شخص المعصوم في المجمعين، بل أراد بذلك انكشاف قوله من اتفاق جميع العلماء في عصر واحد، فيكون حجيته من باب اللطف الذي هو مبناه كما يظهر من موارد أخر من كلامه.
ومحصل الكلام في المقام: ان عد الاجماع من الأدلة الشرعية امر أبدعه العامة، واستدلوا لحجيته في كتبهم الاستدلالية وكان غرضهم من ذلك في بادئ الامر، تحكيم خلافة الخلفاء ولا سيما الأول منهم بذلك. مع وضوح عدم تحقق الاجماع بالنسبة إليها، وانما بائع أبا بكر في السقيفة خمسة: عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة. ثم أوجدوا جو الدعايات والارهاب، فلحق بهم الناس تدريجا ولم يبايع أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان وأبو ذر ومقداد وجمع آخرون.
فالاجماع عند العامة دليل مستقل في قبال الكتاب والسنة والعقل.
وكيف كان، فلما واجههم على ذلك قدماء أصحابنا ومؤلفوهم، قالوا لهم مما شاة: نحن أيضا نسلم حجية الاجماع على فرض تحققه و لكن لا بعنوان دليل مستقل في قبال ساير الأدلة، بل لدخول المعصوم فيهم على ذلك، ففي الحقيقة قوله الحجة والباقون من قبيل الحجر في جنب الانسان.