فان قيل: كيف تدعون إجماع الفرقة على العمل به والمعلوم من حالها انها لا ترى العمل به، كما لا ترى العمل بالقياس؟ قلنا: المعلوم من حالها، انهم لا يرون العمل بخبر الواحد الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد ويختصون بطريقه، فاما ما كان رواته منهم وطريقه أصحابهم، فقد بينا ان المعلوم خلاف ذلك.
فان قيل: أليس شيوخكم لا يزالون يناظرون خصومهم في أن خبر الواحد لا يعمل به وما رأينا أحدا تكلم في جواز ذلك ولا صنف فيه كتابا ولا أملى فيه مسألة فكيف أنتم تدعون خلاف ذلك؟ قيل: من أشرت إليهم، انما تكلموا من خالفهم في الاعتقاد ودفعوهم من وجوب العمل بما يروونه ومن الاخبار المتضمنة للاحكام التي يروون خلافها.
فان قيل: إذا جوز العقل التعبد بخبر الواحد والشرع ورد به، فما الذي يحملكم على الفرق بين ما يرويه الطائفة المحقة وبين ما يرويه أصحاب الحديث من مخالفينا؟ قلنا: ينبغي ان يقتصر في العمل بمقدار قرره الشرع، ودل عليه إجماع الفرقة، على أن العدالة شرط في الخبر ومن خالف لم يثبت عدالته بل ثبت فسقه. انتهى.
أقول: ما ذكره أولا من القيود للخبر الذي هو حجة عنده ليس واحد منها قيدا حقيقة سوى الأول منها، وهو كون الخبر مرويا بطرق أصحابنا واما غير هذا القيد فهو مما يعتبره كل من يقول بحجية الخبر من الفريقين، غاية الأمر ان العامة يقتصرون على العمل بما روى عن النبي صلى الله عليه وآله فقط.
واما ما أورد على نفسه من الاشكالات، فجميعها إشكالات متينة كما أن أجوبتها أيضا في غاية الجودة.
وتوضيح ذلك يتوقف على بيان نكتة وهي انه بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وتصدى الغاصبون لاحراز مقام الخلافة، تنبهوا على كونهم محتاجين إلى الاطلاع على قوانين الاسلام وأحكامه لمراجعة الناس إليهم في مسائلهم ومخاصماتهم، والمفروض انهم أظهروا الغنى عما وصل من النبي صلى الله عليه وآله إلى أهل بيته عليه السلام من العلوم والمعارف الاسلامية، فلا محالة أحوجهم ذلك إلى العمل بما يرويه صحابة النبي صلى الله عليه وآله عنه صلى الله عليه وآله في الوقائع ليعمل بها في مواردها ويقاس عليها أشباهها و نظائرها وقد كثر في زمان عمر الاستعلام من الصحابة في القضايا المرفوعة إليه فصار قول الصحابي بما هو صحابي حجة واضحة عندهم بحيث لم يمكن لاحد إظهار المخالفة