بيان ذلك: ان يقال: ان الشيخ (قده) أيضا يقول بحجية خبر مطلق الثقة كما عليها بناء العقلا، الا ان المصداق عنده لهذا العنوان من بين الاخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، هو خصوص ما كان واجدا للقيود التي ذكره ولا يبعد ذلك.
والسر فيه ان قلة زمان النبي صلى الله عليه وآله وضيق مجاله صلى الله عليه وآله وكثرة اشتغاله صلى الله عليه وآله بالمشاغل المختلفة من توطئة الحروب والاحتجاج على الأمم المختلفة في أصول الدين ولا سيما التوحيد وغير ذلك من مشاغله، منعته صلى الله عليه وآله من بيان الاحكام للمسلمين بحيث يضبطونها فلم يضبط الاحكام كما هي، فربما سئل عن المنسوخ ولم يسأل عن الناسخ، و رب من ضبط منه صلى الله عليه وآله العام دون الخاص، أو بعض كلامه صلى الله عليه وآله دون بعضه لكثرة مشاغل الصحابة أيضا و لذا ترى ان أغلبهم ممن لا يروى عنه بحديث وكثير منهم ضبط وروى ما لا يرتبط بالاحكام من الحكم والمعارف المترشحة منه صلى الله عليه وآله.
نعم، روى عنه أبو هريرة وعائشة وابن عباس أحاديث كثيرة الا ان حال الأولين معلومة.
ثم إن بعده صلى الله عليه وآله توجه المسلمون إلى احتياجهم إلى بيان الاحكام وهو صلى الله عليه وآله وان بين وظيفتهم فيما بعده من الرجوع إلى الأئمة عليهم السلام كما يدل عليه حديث الثقلين، حيث جعلت فيه العترة عدلا للكتاب، فيفهم منه انه يجب ان يترقب منهم ما يترقب من الكتاب ولا أقل من دلالته على حجية قولهم مثله، الا انهم أعرضوا عن العترة عليهم السلام فألجأهم الاحتياج إلى الاحكام و عدم رجوعهم إليهم عليهم السلام، إلى الرجوع إلى ما يرويه الصحابة عنه صلى الله عليه وآله، فعظم بذلك امر الصحابة فأكثروا الكذب عليه صلى الله عليه وآله خصوصا مع ما رأوه من اعتقاد الناس في حقهم من أنهم لا يكذبون أصلا وان جميعهم عدول لا ينبغي ان يتكلم فيهم بشئ وان ظهر منهم فجائع عظيمة، فلأجل ذلك لم يبق وثوق بما يرويه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله، فهذا وجه تخصيص الشيخ موضوع الحجية بما يرويه أصحابنا من طرقهم عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لاهتمامهم في ضبط الأحاديث و اجتنابهم عن الكذب والتأويل، فبذلوا جهدهم في جمع الأحاديث وضبطها وتعاطيها، فجمع أصحاب الصادق عليه السلام أحاديث كثيرة ضبطوها في جوامعهم وجمع أصحاب الرضا عليه السلام - فقهاء الطبقة السادسة البالغ عددهم إلى ثمانية وعشرين - أحاديث كثيرة بعد التنقيح والتطهير مما دس فيها وصارت جوامعهم، جوامع عظيمة بالنسبة إلى جوامع أصحاب الصادق. ومنها الف الجوامع الثانوية الأربعة.
وبالجملة، فحصر الشيخ الحجية في الاخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بطرقنا ليس