في مقابل ذلك فمن هنا ارتفع شأن الصحابة ولم يتأب الفساق منهم من الجعل والافتراء على النبي صلى الله عليه وآله أيضا، فكثرت من قبلهم روايات عن النبي صلى الله عليه وآله في الفروع والأصول على طبق ما اقتضته آرائهم وشهواتهم وارتكز في أذهان التابعين ان الصحابي لا يمكن ان يكون فاسقا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، فكانوا يتلقون جميع رواياتهم بالقبول، فصار مبنى عقائدهم في الأصول والفروع روايات الصحابة، حتى مثل روايات أبي هريرة وعائشة ونحوهما.
وهذه كانت طريقتهم إلى أن التفت جماعة من متكلميهم أعني المعتزلة، اشتمال الأحاديث المروية في الأصول على أمور مخالفة للعقل موجبة للاعتقاد بتجسم الباري جل شأنه وجواز رؤيته ونحو ذلك، فأنكروا هذه الأحاديث فقوبلوا بالتكفيرات والتهديدات، إذ كان بناء مخالفيهم أعني الأشاعرة، على العمل بكل ما ورد من النبي صلى الله عليه وآله ورواه الصحابة وإن كان مخالفا للعقل والاعتبار.
ثم ابتلي ببلاء المعتزلة، المتكلمون من أصحابنا الإمامية أيضا، إذ كانوا يناظرونهم في الأصول الاسلامية، فكانوا يروون عن النبي صلى الله عليه وآله ما وصل إليهم من أبي هريرة وأنس بن مالك وعائشة ومعاوية وغيرهم مما يخالف العقل وأخذوا من الأئمة عليهم السلام خلافه، فدار امر أصحابنا المناظرين معهم، بين ان يظهروا عقيدتهم من التبعيض بين الصحابة وإظهار الاعتماد بما يرويه مثل أبي ذر وعمار وأبي سعيد الخدري، دون ما يرويه عائشة ومعاوية وأبو هريرة وأمثالهم وبين ان ينكروا حجية الخبر الواحد مطلقا في مقام المخاصمة معهم وحيث إن الأول كان مساوقا لتفسيق مثل عائشة وأبي هريرة وغيرهما من البدو إلى الختم وكان ذلك عندهم بمثابة الكفر والخروج من الدين لارتفاع شأنهم في الناس [1] فلا محالة التجئوا إلى الثاني.
ومن هنا اشتهر بين متكلمينا، القول بان اخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا وذلك من غير فرق بين المعاصرين منهم للأئمة عليهم السلام مثل فضل بن شاذان وبين غيرهم، مثل ابن قبة والمفيد والسيد المرتضى وغيرهم ووجه اشتهار هذه الجملة بين المتكلمين منا دون غيرهم، ان المتكلمين منا، كانوا في مقام المناظرة مع المخالفين.
[1] وقد ورد ان ارتفاع شأن معاوية وصل إلى حد بحيث كان السقاؤون يسقون الناس ويقولون: ترحموا على معاوية، وتصدى المعتضد لردع الناس عن ذلك بالاعلان على خلاف ذلك ثم وجهوه وتوجه بعدم القدرة على ذلك ح - ع - م.