سائر الجهات وإن كان تحصيل المقدمات في أعصارهم في غاية السهولة بالنسبة إلى زماننا، فراجع إلى التواريخ حتى تطلع على اختلاف الفريقين وقد ذكر في (تاريخ بغداد) ان (سليمان بن حرب) كان من أكابر المحدثين وانه جاء في زمن (المأمون) ببغداد فهيأ له مجلسا للتحديث ووضع له منبرا قرب قصره وبالغ في تعظيمه وتكريمه. وقد اجتمع لضبط أحاديثه جماعة كثيرة بحيث احتاجوا إلى عدة اشخاص موصلة لكلامه إليهم.
وبالجملة فالاستدلال بالآية على حجية الرواية بما هي رواية مشكل، وقد استدل الأئمة عليهم السلام في اخبار كثيرة بالآية الشريفة على وجوب النفر والتفقه، وكثير منها راجع إلى النفر لمعرفة الإمام عليه السلام، ولعل مدرك القائلين باعتبار العلم بقول النافرين هذه الأخبار فان معرفة الإمام عليه السلام [1] يجب أن تكون عن علم فراجع الاخبار.
فذلكة: قد عرفت ان الظاهر كون كلمة (ما) في الآية للنفي وكون اللازم الواقعة بعدها للجحد وقد جي بها لتأكيد النفي كما هو الغالب في اللام الواقعة بعد الكون المنفي، وقد ذكر النحاة ان متعلقها كلمة (قاصدا) وما يفيد معناه، ولكن الأنسب في مثل الآية تعلقها بمثل كلمة (أهلا) ونحوه، والتفقه من باب التفعل ومن معانيه التكلف وظاهر صدر الآية كون ما امر بالنفر إليه بمثابة من الأهمية بحيث لولا مثل اختلال النظام ونحوه لوجب على الجميع النفر إليه، ولكن حدوث هذه الأمور، منع من إيجاب النفر على الجميع، فعلى هذا لم لا ينفر بعضهم حتى يرشدوا بأنفسهم ويرشدون غيرهم أيضا، فمقتضى ظاهر الآية وجوب النفر للتفقه لا للجهاد، وكونها في سياق آيات الجهاد لا يضر بعد استقرار طريقة القرآن على عدم الاعتداد بالسياق.
ولا يتوهم اختصاص آيات سورة البراءة بباب الجهاد إذ يوجد فيها آيات غير راجعة إليه ك آية الزكاة ونحوها.
وبالجملة، فالخدشة في الآية من حيث السياق في غير محلها ودلالتها على مطلوبية الحذر أيضا مما لا مجال لانكاره وانما الكلام في سائر الاشكالات المتوجهة على الاستدلال بالآية وقد عرفت انها ثلاثة:
الأول: ان القدر المتيقن من وجوب الحذر هو ما لو حصل للمنذر (بالفتح) العلم بالأحكام من إنذار المنذرين ولا يمكن التمسك بإطلاق الآية لاثبات وجوبه مطلقا، وانما تدل على وجوبه في [1] لقائل ان يقول: ان تقييدها بالنسبة إلى أصول الدين لا يدل على التقييد مطلقا، فتدبر ح - ع - م.