التخصيص بسببه.
ويرد على الوجه الثالث: أنا لا نسلم ثبوت حجية الخبر بالاجماع، بما أنه إجماع، بل عمدة ما دل عليها هو بناء العقلا وسيرتهم المستمرة على الاحتجاج بالخبر في مقام الاحتجاج واللجاج، كما بين الموالي والعبيد، وليس للشارع فيه تأسيس، بل كل ما ورد عنه في هذا الباب فليس إلا إمضاء لطريقة العقلا. وأول من ادعى الاجماع في المسألة هو الشيخ (قده) في العدة، حيث ادعى فيها إجماع الصحابة من زمن النبي صلى الله عليه وآله على العمل بالاخبار الآحاد. والظاهر أن مراده بالاجماع ليس إلا استقرار سيرة المسلمين من الصدر الأول عليه، ولكن لا بما هم مسلمون ومتدينون بدين الاسلام، حتى يستكشف بذلك ورود نص فيه عن النبي صلى الله عليه و آله، ويكون العمل بالاخبار حكما من أحكام الاسلام، بل بما هم عقلا، فيرجع الاجماع المدعى في المسألة إلى سيرة العقلا طرا على الاحتجاج بها ولم يرد من قبل الشارع ردع عنها، إذ لو ورد النقل لتوفرت الدواعي على نقله في مثل المقام. وبالجملة: الدليل على حجية الاخبار سيرة العقلا، والدليل على حجية العمومات أيضا ليس إلا الأصل العقلائي الحاكم بتطابق الإرادة الجدية للاستعمالية، وبناء العقلا في الاحتجاجات الثابتة بين الموالي والعبيد قد استقر على تخصيص العام بالدليل الخاص، ولو كان من قبيل الاخبار الآحاد.
ويرد على الوجه الرابع: أن الاخبار المشار إليها تنقسم بحسب المضمون إلى طوائف أربع:
(الأولى): ما دل على أن العمل بالخبر مطلقا إنما يجوز، فيما إذا كان عليه شاهد أو شاهدان من كتاب الله. (الثانية): ما دل على هذا المضمون في خصوص الاخبار المتعارضة. (الثالثة): ما دل على أن ما خالف الكتاب، أو لم يوافقه زخرف، أو مما لم نقله، أو نحو ذلك.
(الرابعة): ما دل على وجوب عرضها على الكتاب، فما وافقه وجب أخذه، وما خالفه أو لم يوافقه لزم طرحه.
أما الطائفة الأولى: فمفادها عدم حجية الخبر رأسا، إذ لو فرض وجود شاهد أو شاهدين من كتاب الله على وفق الخبر، فالمحكم هو الكتاب لا الخبر. ومقتضى ذلك سقوط هذه الطائفة أيضا من الحجية، فإنها أيضا أخبار آحاد، فيلزم من حجيتها عدم حجيتها. هذا مضافا إلى أنها لا تقاوم السيرة القطعية على العمل بالخبر في عصر النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، حتى بعد صدور هذه الأخبار عنهم عليهم السلام. فالظاهر أن هذه الطائفة من الاخبار وردت في مقام تحديد العمل بالخبر والردع عن العمل بالاخبار التي كانوا يدسونها وينسبونها إلى الأئمة عليهم السلام في المسائل الاعتقادية ترويجا لعقائدهم الباطلة.