توجد بها الإشارة، فيكون الموضوع له فيها نفس حيثية الإشارة التي هي معنى اندكاكي متوسط بين المشير والمشار إليه، ويكون استعمالها في هذا المعنى استعمالا إنشائيا، فكما أن الانسان قد يوجد الإشارة بتوجيه إصبعه نحو المشار إليه، ويتوهم بذلك بينهما امتداد موهوم، فكذلك ربما يوجدها باستعمال كلمة هذا ونحوها، فكلمة هذا مثلا قد وضعت لان يشار بها إلى المفرد المذكر، وما ذكره بعض الأدباء من كونها موضوعة للمفرد المذكر المشار إليه فاسد جدا، سواء أراد بذلك مفهوم المشار إليه أو حقيقة المشار إليه الخارجي الواقع في طرف الامتداد الموهوم، إذ ليست لنا مع قطع النظر عن لفظة هذا إشارة في البين، حتى يتصف المفرد المذكر بكونه مشارا إليه وتستعمل فيه لفظة هذا، فالإشارة توجد بنفس هذا اللفظ، وقد أشار بما ذكرنا محمد بن مالك في ألفيته حيث قال:
بذا لمفرد مذكر أشر (إلى آخر ما قال).
نعم لما كانت الإشارة معنى اندكاكيا فانيا في المشار إليه فلا محالة ينتقل الذهن من لفظة (هذا) مثلا إلى المشار إليه ويعامل معها معاملة اللفظ الموضوع للمشار إليه فتجعل مبتدأ مثلا ويحكم عليها بأحكام المشار إليه، فيقال مثلا: (هذا قائم) كما يقال زيد قائم، و بالجملة المبهمات بأجمعها موضوعة للإشارة، ومنها الضمائر، فيشار ب (كاف) الخطاب مثلا إلى المخاطب الحاضر، وبضمير الغائب إلى المرجع المتقدم ذكره، وبضمير المتكلم إلى نفس المتكلم، ولا بد في جميع الإشارات من أن يكون للمشار إليه نحو تعين، حتى تمكن الإشارة إليه، فتعينه في مثل (هذا) وأمثاله بحضوره، وفي ضمير المتكلم بكونه حاضرا للمخاطب وموردا لتوجهه، وفي ضمير المخاطب بكونه موجها إليه الكلام، وفي ضمير الغائب بسبق ذكره، و في الموصولات بكون الموصول معروفا لمفاد الصلة وموصوفا به، والداعي إلى وضع المبهمات هو الاختصار أو الفرار من التكرار، حيث إنه لولا الضمير مثلا لاحتاج المتكلم إلى تكرار علم الشخص مرارا، وكيف كان فتعين المشار إليه والمرجع في ضمير الغائب بسبق ذكره، وعلى هذا فلا محيص عن إرجاعه إلى نفس ما تقدم ذكره بما له من المعنى، ولا يصح إرجاعه إلى بعض ما أريد من العام مثلا، إذ لا تعين للبعض، وبالجملة إرجاع الضمير إلى غير ما أريد من المرجع لا يتمشى احتماله بعد الإحاطة على ما حققناه في بيان معنى الضمائر.
وثانيا: أنه لا مجال هنا لتوهم المجاز في الاسناد أيضا، فإن إسناد حكم البعض إلى الكل إنما يصح فيما إذا كان العام مجموعيا، ولو حظ بين الافراد المتكثرة جهة وحدة اعتبارية، كما في قولهم: (بنو تميم قتلوا فلانا)، فإن انتسابهم إلى أب واحد، يوجب لحاظهم بنحو