التكليف إلى المعدوم مشروطا بوجوده، بل بمعنى تعلق التكليف بنفس العنوان الكلي، بنحو القضية الحقيقية، بحيث كلما وجد فرد من الموضوع يصير موردا للحكم، فتدبر.
فإن قلت: الطلب من المعاني الإضافية المتقومة بالطالب والمطلوب منه، فبالنسبة إلى الافراد التي لم توجد بعد لا يمكن أن يصدر الطلب من قبل المولى فإن الامر الإضافي لا يتحقق إلا بتحقق أطرافه.
قلت: ليس الطلب من مقولة الإضافة التي هي أحد من الاعراض التسعة، بل هو أمر اعتباري يوجد بإنشائه، ووزانه وزان الأمور الحقيقية ذات الإضافة، كالعلم والقدرة والإرادة، فالعلم مثلا ليس من مقولة الإضافة، بل يكون عرضا وكيفا نفسانيا ثابتا لذات العالم. نعم، له نحو إضافة إلى المعلوم الخارجي، وإن كان معدوما حال العلم، فكذلك الطلب أيضا أمر اعتباري يتحقق بإنشاء المنشئ واعتباره، غاية الأمر أن له نحو إضافة إلى المطلوب، ونحو إضافة إلى المطلوب منه، ولكن يكون تقومه بالطالب، حيث إنه فعل من أفعاله ويقوم به قياما صدوريا، وما هو المتعلق له أولا وبالذات أيضا هو عنوان الموضوع لا الافراد، إلا أنه لما لوحظ مرآة لمصاديقه يصير كل فرد منه - بعد وجوده وصيرورته مصداقا له - موردا للطلب قهرا، ويكون نحو تعلق الطلب به نحو تعلق العلم بالمعلوم بالعرض، كما لا يخفى.
المقام الثاني: مسألة مخاطبة المعدوم وتوجيه الكلام نحوه.
قال في الكفاية ما حاصله: إنه لا ريب في عدم إمكان خطاب المعدوم، بل الغائب حقيقة، ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلا إذا كان موجودا، وكان بحيث يتوجه إلى الكلام ويلتفت إليه، لكن الظاهر أن ما وضع للخطاب مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا للخطاب الحقيقي، بل للخطاب الايقاعي الانشائي، فالمتكلم ربما يوقعه تحسرا وتأسفا وحزنا، مثل: (أيا كوكبا ما كان أقصر عمره)، أو شوقا أو نحو ذلك. نعم، لا تبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقي، كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي و التمني وغيرها، على ما حققناه من كونها موضوعة للايقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه، كما تمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع، ضرورة عدم اختصاص الحكم في مثل (يا أيها الناس) بمن حضر مجلس الخطاب (انتهى).
أقول: الخطاب - كما يستفاد من تتبع موارد استعمالاته العرفية - عبارة عن توجيه الكلام نحو الغير بقصد إفهام معناه، فمفهوم المخاطبة ينتزع عن كل كلام ألقي إلى الغير بهذا القصد، سواء