وصيرورته مصداقا لما هو الموضوع يصير موردا له، والظاهر أن ما ذكرناه أمر لا ينكره أحد من الباحثين في مسألة الخطابات الشفاهية، سواء قيل بعمومها للمعدومين أم لا.
نعم، على الأول يكون ثبوت التكليف لهم في ظرف الوجود من جهة شمول الخطاب لهم. وعلى الثاني: من جهة الاجماع وغيره من أدلة الاشتراك، بعد اتفاق الفريقين في عدم ثبوته لهم في ظرف العدم.
وقد ظهر لك مما ذكرنا كيفية جعل الأحكام الشرعية وأنها من قبيل القضايا الحقيقية بمعنى أن الحكم الشرعي جعل كاللازم للطبيعة المأخوذة موضوعة، لا بما هي هي، بل بما أنها مرآة وحاكية لوجوداتها الخارجية فيسري الحكم بسريانها ذاتا، فما لم يصر شي مصداقا لعنوان الموضوع لم يكن موردا للحكم، وبعد صيرورته من مصاديقه يسري الحكم إليه، فالمعدوم في ظرف عدمه ليس موردا للحكم أصلا.
وانقدح بما ذكرنا أيضا، فساد ما في الكفاية حيث قال: (إن الانشاء خفيف المئونة، فالحكيم ينشئ على وفق الحكمة والمصلحة طلب شي قانونا من الموجود والمعدوم حين الخطاب ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط).
فإن ظاهر كلامه (قده) كون التكليف بالنسبة إلى المعدوم حال عدمه ثابتا، وبوجوده يصير فعليا، وقد عرفت أن الشئ ما لم يوجد لا يصير مصداقا لما هو الموضوع، والحكم لم ينشأ، إلا لموضوعه، فكيف يسري إلى غير الموضوع.
وبالجملة: توجه التكليف الفعلي الحقيقي إلى المعدوم مستحيل، و لم يقل أحد بإمكانه، وتعلق التكليف بالعنوان الكلي الشامل للموجود و المعدوم - ولكن بلحاظ وجوده بحيث يصير في ظرف الوجود موردا للتكليف - جائز، ولم يقل أحد بامتناعه، سواء كان ثبوته للمعدوم بنفس الخطاب أو بأدلة الاشتراك. وأما تعلقه بالمعدوم في حال عدمه ليصير فعليا بعد ما يوجد فهو الذي تظهر من الكفاية صحته، وقد عرفت بما لا مزيد عليه فساد ذلك أيضا، وكون الصيغة موضوعة للطلب الانشائي والانشاء خفيف المئونة، لا يثبت صحة إنشاء الطلب و وقوعه من الحكيم بالنسبة إلى المعدوم في ظرف عدمه، لما عرفت من أن انبعاث المعدوم بعد وجوده ناشئ من البعث المتوجه إليه بلحاظ ظرف الوجود، فإنشاء الطلب منه في ظرف العدم لغو، لا يصدر عن الحكيم.
فالصحيح من الأقسام الثلاثة التي ذكرها في الكفاية هو القسم الثالث، ولكن لا بمعنى