القائل بعدم شمول الخطاب لهم كان يثبت لهم التكليف في ظرف وجودهم بأدلة الاشتراك من الاجماع ونحوه، ولا إلى الأمر الثالث، لعدم كونه معنونا في كلماتهم، فما هو محط نظر الأصحاب هو الأمر الثاني من الأمور الثلاثة، أعني عموم الخطاب وتوجيه الكلام لمن لم يكن في مجلس التخاطب، سواء كان حال التخاطب من الموجودين، أو كان معدوما بالكلية.
وكيف كان فنحن نبحث في مقامين:
المقام الأول: مسألة تكليف المعدوم، وملخص الكلام فيها أن التكليف الحقيقي بمعنى البعث والزجر الفعلي بالنسبة إلى المعدوم أمر غير معقول، بداهة عدم إمكان انبعاثه و انزجاره في حال عدمه، ولم يقل أحد أيضا بجواز تكليفه كذلك، وأما إنشاء التكليف بالنسبة إليه فإن أريد به إنشاء الطلب منه في ظرف عدمه بأن يكون في حال العدم موضوعا للتكليف الانشائي فهو أيضا غير صحيح، إذ لا يترتب عليه الانبعاث ولا غيره من دواعي الانشاء حال كونه معدوما، وانبعاثه في ظرف وجوده وتحقق شرائط التكليف فيه ليس من فوائد إنشاء الطلب منه في ظرف العدم، بل هو من الآثار المترتبة على إنشاء الطلب من المكلف على فرض وجوده، فالذي يصح في المقام ويعقل تحققه من المولى الحكيم هو إنشاء التكليف بالنسبة إلى المكلف بنحو القضية الحقيقية، بحيث يشمل الموجود والمعدوم، ولكن لا بلحاظ ظرف عدمه، بل في ظرف وجوده وفرض تحققه، ففي قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ليس وجوب الحج مقصورا على من وجد و استطاع حال نزول الآية، بل الحكم فيها يعم الموجود والمعدوم حاله، ولكن المعدوم في ظرف عدمه لا يكون مشمولا للحكم الفعلي ولا الانشائي، وإنما يصير مشمولا له على فرض تحققه ووجوده، بداهة أن الموضوع للحكم الانشائي والفعلي في الآية هو من كان من الناس وصدق عليه عنوان المستطيع، والمعدوم في رتبة عدمه ليس من أفراد الناس ولا يصدق عليه أنه مستطيع، فلا تعقل سراية الانشاء إليه، فإن الحكم المنشأ لا يسري من موضوعه إلى شي آخر.
نعم، إنما يصير المعدوم حال الخطاب في ظرف وجوده وتحقق الاستطاعة له مصداقا لما هو الموضوع في الآية فيتحقق حينئذ بالنسبة إليه التكليف الانشائي، وبتحقق سائر الشرائط العامة يصير فعليا.
والحاصل: أن المعدوم في ظرف عدمه ليس موردا للتكليف بكلا قسميه، وبعد وجوده