ولا يتكفل واحد من الامرين لنفي فردية شي أو إثباتها، فافهم وتأمل جيدا.
الأمر السابع: دوران المخصص بين فردين:
إذا قال: (أكرم العلماء) ثم قال: (لا يجب إكرام زيد) فتردد ذلك بين شخصين مسميين بزيد: أحدهما عالم، والاخر جاهل، فالظاهر أنه يجب العمل بعموم العام وإكرام زيد العالم، إذ العام حجة ما لم تنهض في قباله حجة أقوى، والمفروض أن الفرد المرخص فيه مجمل مردد بين زيد العالم وغيره، فلا حجة في البين في قبال العام.
هذا إذا كان الحكم الثاني ترخيصيا، وأما إذا كان إلزاميا كما إذا قال: لا تكرم زيدا، فيقع فيه الاشكال من جهتين:
الأولى: أنه هل يجب إجراء حكم العام على زيد العالم، أو يكون العلم الاجمالي بحرمة إكرام أحد الشخصين موجبا لاجمال العام أيضا؟
الثانية: أنه بناء على العمل بالعموم بالنسبة إلى زيد العالم هل ينحل العلم الاجمالي بسبب عموم العام ويحكم بكون المراد من زيد الذي حرم إكرامه هو الفرد الجاهل، حتى تترتب عليه آثار العلم بحرمة الاكرام تفصيلا أو لا ينحل؟ يمكن أن يقال: بحجية العام في الفرد العالم، لعدم وجود حجة أقوى على خلافه، ولا عذر للعبد في رفع اليد عن عموم العام، هذا بالنسبة إلى الجهة الأولى، وأما بحسب الجهة الثانية ففي جواز الحكم بانحلال العلم الاجمالي نظر، لما عرفت من أن الثابت من بناء العقلا إنما هو الحكم بتطابق الإرادتين فيما إذا ثبتت فيه الإرادة الاستعمالية، وأما تكفله لنفي فردية شي أو إثبات حكم آخر فليس ثابتا عند العقلا، وكون الأصول اللفظية من الامارات لا يقتضي ترتيب جميع لوازمها العقلية، بعد عدم بناء العقلا على ترتيبها.
وقال بعض أعاظم العصر ما حاصله: إنه ربما يقال: إن العلم الاجمالي بحرمة إكرام زيد العالم أو الجاهل موجب لترك إكرامهما معا، ولا يكون عموم العام موجبا لانحلاله، فإن دليل العموم بمنزلة الكبرى الكلية فلا يتكفل لحال الفرد، وليس حاله حال البينة القائمة على وجوب إكرام زيد العالم الموجبة لانحلال العلم، فالعلم الاجمالي موجب لسقوط العام من الحجية بالنسبة إلى زيد العالم. وفيه: أن العام و إن لم يتكفل لحكم الفرد ابتدأ، ولكنه يثبت حكمه بعد انضمام الصغرى المعلومة إلى الكبرى المستفادة من دليل العام، وإذا ثبت له الحكم الوجوبي بالعموم ارتفع عنه الحكم التحريمي بالملازمة، فتتعين الحرمة في الطرف الآخر لكون المثبتات من الأصول اللفظية حجة، فينحل العلم أيضا ببركة العام، إذ الانحلال يتحقق إما بإثبات الحكم المعلوم