حتى تخرج بسببه الافراد غير المرادة ويبقى الباقي، فالتخصيص ليس عبارة عن تضييق المستعمل فيه، بل هو عبارة عن تضييق المراد الجدي، والمستعمل فيه ليس إلا جميع الافراد، وهو وإن كان معنى وحدانيا، لكنه لما كان عين الكثير خارجا كان المستعمل فيه بحسب الحقيقة هو المتكثرات، وعلى هذا فإن علمنا بكون الجميع مرادا جديا أيضا فهو، وإلا جرت بالنسبة إلى كل فرد شك في حكمه أصالة تطابق الإرادة الجدية مع الاستعمالية، حتى أنه لو علم بخروج بعض الافراد، وشك في بعضها الاخر جرى بالنسبة إلى هذا المشكوك فيه ذلك الأصل العقلائي، فليس في العام أصل عقلائي وحداني، بل تجري فيه أصول عقلائية متعددة بعدد أفراده.
وبالجملة: حجية العام تتقوم بأمرين: (أحدهما) وضعه للعموم وكونه مستعملا في العموم دائما، (والثاني) جريان الأصل العقلائي المذكور في كل فرد فرد منه، بمعنى أن كل فرد علمت إرادته جدا فهو، وكل ما علم عدم إرادته فلا إشكال فيه أيضا، وأما كل فرد شك في حكمه، فتجري فيه أصالة التطابق، فيكون محكوما بحكم العام، فأصالة العموم أصل عقلائي مرجعه إلى استقرار سيرة العقلا على الحكم بتطابق الإرادتين، وكون ما هو المراد بحسب الاستعمال مرادا جديا.
إذا عرفت هذا تبين لك عدم جواز التمسك بأصالة العموم لنفي فردية شي للعام إذ لم يرد في آية أو رواية لفظ أصالة العموم، حتى ينازع في أنها تشمل لما نحن فيه أو تختص بصورة الشك في المراد، بل الثابت ليس إلا بناء العقلا على إجراء أصالة التطابق بين الإرادتين في كل فرد، ولا محالة يختص ذلك بما إذا أحرزت فردية شي للمستعمل فيه وشك في كونه مرادا بحسب الجد.
وأما إذا شك في فردية شي للعام مع العلم بعدم كونه محكوما بحكمه فلا مجال للتمسك بلفظ العام، ولا بالأصل العقلائي لاثبات فرديته أو نفيها، فإن لفظ العلماء مثلا قد استعمل في جميع أفراد العالم، وأما أن زيدا من جملة أفراده أو لا فمما لا يتكفل له لفظ العلماء.
وأما الأصل العقلائي فإنما يجري بعد إحراز كونه من أفراد المستعمل فيه، والمفروض كون ذلك مشكوكا فيه، مضافا إلى أن مفاد الأصل العقلائي، كما عرفت تطابق الإرادة الجدية للاستعمالية وكون الفرد محكوما بحكم العام، فلا مجال لان يتمسك به لنفي فرديته له.
فتلخص مما ذكرنا أن المتحقق في العمومات أمران: أحدهما صيغة العموم المستعمل في العموم دائما، والثاني الأصل العقلائي الحاكم بتطابق الإرادتين وهو معنى أصالة العموم،