فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٤ - الصفحة ٦١١
ذلك من التدليس في الشهادة، فإنهما قد أعملا الاستصحاب في مورد لا يجوز إعماله فيه، لكونه محكوما باليد، فلا يجوز للشاهد الشهادة بالاستصحاب إلا في مورد لم يكن المال في يد أحد المتداعيين، كما إذا كان المال في يد ثالث لا يدعيه وتداعيا عليه شخصان وكان المال ملكا لأحدهما سابقا، ففي ذلك يجوز الشهادة بالاستصحاب. وأما إذا كان المال في يد من يدعيه فلا يجوز الشهادة عليه بالاستصحاب.
فالتحقيق: أن حكم البينة حكم علم الحاكم لا يجوز انتزاع المال عن ذي اليد وتسليمه إلى المدعي (1).
وأما على الأول: وهو ما إذا أقر ذو اليد بأن المال كان في السابق ملكا للمدعي أو لمورثة، فالأقوى - وفاقا للمحكي عن المشهور - انتزاع المال عن ذي اليد وتسليمه إلى المدعي، لان باقراره تنقلب الدعوى ويصير المدعي منكرا والمنكر مدعيا، فإنه عند إقراره بأن المال كان للمدعي إما أن يضم إلى إقراره دعوى الانتقال إليه وإما أن لا يضم إلى إقراره ذلك بل يدعي الملكية الفعلية مع إقراره بان المال كان للمدعي.
فان لم يضم إلى إقراره دعوى الانتقال يكون إقراره مكذبا لدعواه الملكية الفعلية (2) فإنه لا يمكن خروج المال عن ملك من كان المال ملكا له ودخوله في

(1) أقول: هذا أيضا في صورة لا يكون مستند الشاهد إلا استصحاب الملكية السابقة في قبال اليد التي هي حجة على الملكية حتى في حق الشاهد، وإلا ففي صورة احتمال عدم حجية اليد عنده - لاحراز عنوان كونه يدا على ملك الغير حقيقة أم تعبدا - يتبع البينة وينتزع المال من يده.
(2) أقول: أولا - مجرد عدم ضم دعوى الانتقال إلى اقراره لا يقتضي مكذبية إقراره ليده، وإنما المكذب له دعوى عدم الانتقال، لا عدم دعوى الانتقال، إذ يكفي في صحة هذه مجرد احتمال الانتقال إليه واقعا، وهو غير دعوى الانتقال، وفي هذه الصورة أمكن دعوى عدم انتزاع المال، لعدم منافاة إقراره مع اليد الكاشفة عن الملكية الفعلية، كصورة عدم إقراره.
ثم في صورة دعواه الانتقال قد يجئ في البين شبهة العلامة الأستاذ: بان مجرد عدم امارية اليد على الانتقال لا يخرج اليد عن الامارة على الملكية الصرفة، فيبقى ذو اليد على حجته، فلم ينتزع المال من يده. وأصالة عدم الانتقال وإن كان مع الطرف، إلا أنه يكفي لهذا الطرف في استمساك المال أيضا حجية اليد على الملكية ولا يرفع أحد الحجتين للآخر، فلا مجال لانتزاع المال من يده. ومثل هذه الشبهة لا يكاد يرفع بدعوى الانقلاب، إذ غايته أصالة عدم الانتقال يجعل مدعيه مدعيا على خلاف الحجة في دعواه، ولكن ذلك المقدار لا يقتضي انتزاع المال من يد من بيده المال، لعدم قصور اليد عن الحجية على صرف الملكية وإن لم يثبت الانتقال، وحينئذ الانتزاع المزبور يحتاج إلى بيان مقدمة أخرى:
وهي أن بناء المشهور على الانقلاب يقتضي حجية أصالة عدم الانتقال، إذ معلوم: انه بلا حجية هذا الأصل لا معنى لكون مخالفه مدعيا، لعدم قيام حجة على خلافه، كما هو الظاهر. وحينئذ نقول: ان حجية هذا الأصل إنما هو بلحاظ ترتيب اثر عدم الانتقال: من بقاء الملكية عليه، ومع قيام الامارة على ملكية الغير لا يكاد يترتب عليه الأثر المزبور، ومع عدمه لا معنى لحجية الأصل أصلا. وحينئذ قولهم بتقديم قول الآخر بأصله يكشف عن عدم حجية اليد المزبورة، فبتلك الشهرة والاجماع يستكشف عدم حجية اليد، فينتزع المال. وبمثل هذا البيان نجيب عن الشبهة الصادرة عن الأستاذ أيضا.
ومرجع ما ذكرنا إلى عدم الجمع بين حجية أصالة عدم الانتقال وحجية اليد، فمع اقتران الأصل بدعوى الانتقال من الاجماع على الانقلاب يستكشف حجية الأصل الملازم لعدم حجية اليد، ومع عدم اقتران الأصل بدعوى الانقلاب يبقى اليد على حجيتها المستتبع لعدم حجية الأصل، لعدم الشك في أثره، فتدبر.
(٦١١)
مفاتيح البحث: الشهادة (3)، الجواز (4)، الحج (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 606 607 608 609 610 611 612 613 614 615 616 ... » »»
الفهرست