ما تقدمت، وعمدتها روايات زرارة ودلالتها على حجية الاستصحاب في غاية الوضوح. ولا يمكن حمل قوله - عليه السلام - " لا تنقض اليقين بالشك " على " قاعدة اليقين " فان موردها ينافي ذلك، كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في مقدار دلالتها وعمومها للأقسام اللاحقة للاستصحاب باعتبار اختلاف المستصحب: من حيث كونه وجوديا أو عدميا موضوعا خارجيا أو حكما شرعيا جزئيا أو كليا تكليفيا أو وضعيا، وباعتبار اختلاف الدليل الدال على ثبوت المستصحب: من حيث كونه إجماعا أو عقلا أو كتابا وسنة، وباعتبار اختلاف منشأ الشك في بقائه: من حيث رجوع الشك إلى الشك في وجود الرافع أو رافعية الموجود وما يلحق به من الشك في الغاية، أو رجوع الشك إلى الشك في المقتضي وما يلحق به من الشك في الغاية أيضا، بالبيان المتقدم.
ولأجل هذه الاختلافات كثرت الأقوال في المسألة حتى زادت على العشرة، فذهب إلى حجية الاستصحاب في كل قسم من هذه الأقسام فريق، وأنكرها فريق آخر. وقد أطال الشيخ - قدس سره - الكلام في الأقوال وبيان أدلتها وردها.
ولكن الانصاف: أن جملة منها لا تستحق البحث عنها وإطالة الكلام فيها، فإنه لا منشأ لها إلا بعض الوهميات، فالأولى: الاعراض عنها وعطف عنان الكلام إلى بيان وجه المختار: من حجية الاستصحاب في جميع الأقسام إلا في الشك في المقتضي وما يلحق به من الشك في الغاية.
أما حجيته في سائر الأقسام: فلعموم قوله - عليه السلام - " لا تنقض اليقين بالشك " وشموله لجميع أقسام المستصحب والدليل الدال على ثبوته ومنشأ الشك في بقائه، لأنه في جميع ذلك يكون رفع اليد عن المتيقن عند الشك في بقائه من نقض اليقين بالشك، فلا موجب لتوهم اختصاصه بقسم دون قسم.