ثم إنه لو فرض محالا عدم تغاير وجود الكلي بتغاير الافراد وأن الموجود من الكلي في ضمن جميع الافراد أمر واحد لا تعدد فيه، فلا إشكال في أن ذلك على فرض إمكانه إنما هو بالنظر الدقي العقلي الذي لا عبرة به في باب الاستصحاب، وإنما العبرة بنظر العرف، فان نظره هو المتبع في اتحاد القضية المشكوكة للقضية المتيقنة - كما سيأتي بيانه - فلو فرض التشكيك في تغاير الحصص وتباين وجود الكلي بتباين الافراد عقلا فلا يمكن التشكيك في ذلك عرفا، بداهة أن العرف يرى التباين بين ما هو الموجود في ضمن زيد وما هو الموجود في ضمن عمرو، فتختلف القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة عرفا، فيختل شرط الاستصحاب: من اتحاد القضيتين عرفا، وذلك واضح لا ينبغي إطالة الكلام فيه أزيد من ذلك.
ومن الغريب! ما اختاره الشيخ - قدس سره - من جريان استصحاب الكلي في هذا القسم، فإنه مضافا إلى اختلاف أركان الاستصحاب فيه يكون الشك في بقاء الكلي دائما من الشك في المقتضي الذي لا يقول بجريان الاستصحاب فيه؟ فالانصاف: أنه ما كنا نترقب من الشيخ - قدس سره - اختيار ذلك.
ثم: إنه قد يقال: إنه تظهر الثمرة فيما إذا احتمل المكلف الجنابة في حال النوم وبعد الانتباه توضأ، فإنه لو قلنا بجريان استصحاب الحدث في حقه كان اللازم عدم جواز مس كتابة القرآن ما لم يغتسل، وإن قلنا بعدم جريان الاستصحاب جاز له فعل كل مشروط بالطهارة ولا يجب عليه الغسل.
هذا، ولكن الظاهر: أنه يجوز للمكلف في المثال فعل كل مشروط بالطهارة وإن لم يغتسل، سواء قلنا بجريان الاستصحاب في هذا القسم من الكلي أو لم نقل، لا لان الاستصحاب في المثال ليس من القسم الثالث، بل لان في المثال خصوصية تقتضي عدم وجوب الغسل وجواز فعل كل مشروط بالطهارة.