وصرفها نحوه وإن لزم منه سلب القدرة عن التكليف الآخر، والمفروض: ثبوت القدرة على كل منهما منفردا وإن لم يمكن الجمع بينهما، فكل من الحكمين يقتضي حفظ موضوعه ورفع موضوع الآخر بصرف القدرة إلى امتثاله، فيقع التزاحم بينهما في مقام الامتثال.
فما في بعض الكلمات: من أن تزاحم الحكمين إنما يكون لأجل تزاحم المقتضيين والملاكين اللذين يقتضيان تشريع الحكمين على طبقهما، ضعيف غايته، فان تزاحم الملاكين لا دخل له بتزاحم الحكمين، بداهة أن عالم تزاحم الملاكات غير عالم تزاحم الاحكام، فان تزاحم الملاكات إنما يكون في عالم تشريع الاحكام وإنشائها على موضوعاتها، ولا محالة يقع الكسر والانكسار بين الملاكين، فتتعلق إرادة الشارع بتشريع الحكم على طبق أقوى الملاكين لو كان أحدهما أقوى من الآخر، وإلا فلابد من الحكم بالتخيير، وأين هذا من تزاحم الحكمين؟ فان تزاحم الاحكام إنما يكون في عالم صرف قدرة المكلف على الامتثال بعد تشريع الاحكام على طبق ما اقتضته الملاكات، فإرجاع تزاحم الاحكام إلى تزاحم الملاكات لا يخلو عن غرابة، مع ما بين البابين من البون البعيد. وقد تقدم منا الكلام في تفصيل ذلك في الجزء الأول من الكتاب.
فتحصل: أن الفرق بين باب التعارض وباب التزاحم هو أن التعارض إنما يكون باعتبار تنافي مدلولي الدليلين في مقام الجعل والتشريع، والتزاحم إنما يكون باعتبار تنافي الحكمين في مقام الامتثال، إما لعدم القدرة على الجمع بينهما في الامتثال، كما هو الغالب في باب التزاحم (1) وإما لقيام الدليل من الخارج