والغرض من ذلك كله: بيان الفرق بين الاضطرار إلى المعين والاضطرار إلى غير المعين، وأن ما ذكرناه من التفصيل بين سبق العلم على الاضطرار ولحوقه في الاضطرار إلى المعين لا يأتي في الاضطرار إلى غير المعين، بل ينبغي تعميم البحث فيه لكلتا صورتي حصول الاضطرار قبل العلم وبعده، فإما أن نقول: بوجوب الاجتناب عن غير ما يدفع به الاضطرار مطلقا في كلتا الصورتين، وإما أن نقول: بعدم الوجوب مطلقا.
والأقوى: هو الوجوب لعين ما تقدم في الاضطرار إلى المعين إذا كان بعد العلم الاجمالي. ونزيده في المقام وضوحا، فنقول:
إن أدلة رفع الاضطرار كأدلة نفي الضرر والحرج إنما تكون حاكمة على الأدلة الأولية بمقدار الاضطرار والضرر والحرج، ولا يمكن أن يكون الاضطرار إلى شئ موجبا لرفع حكم شئ آخر، فالاضطرار إلى المعين يقتضي رفع التكليف عن ذلك المعين بخصوصه، والاضطرار إلى غير المعين يقتضي رفع التكليف عما يدفع به الاضطرار. وأما الطرف الباقي بعد رفع الاضطرار بغيره فهو باق على حكمه، ولا موجب للترخيص فيه، فلابد من الاجتناب عنه خوفا عن مصادفته لمتعلق التكليف من دون أن يكون هناك مؤمن عقلي أو شرعي.
وبالجملة. ارتكاب أحد المشتبهين لابد وأن يكون بأحد الأسباب المجوزة للارتكاب، إما للاضطرار إليه وإما لقيام الدليل عليه ولو كان هو من الأصول العملية، وبعد رفع الاضطرار بأحد المشتبهين يبقى المشتبه الآخر بلا مجوز لارتكابه، لعدم الاضطرار إليه، وعدم جريان الأصول النافية للتكليف فيه، لأنه من أطراف العلم الاجمالي، فلا مؤمن من أن يكون هو متعلق التكليف.
وما أفاده المحقق الخراساني - قدس سره - من أن الترخيص في بعض الأطراف تخييرا ينافي فعلية الحكم، لوضوح أن التخيير في ارتكاب البعض لا يجتمع مع فعلية التكليف، فلا أثر للعلم الاجمالي بالتكليف الغير الفعلي