وإن شئت قلت: إن قوله - عليه السلام - " لا تنقض اليقين بالشك " لا يمكن أن يعم الأصل السببي والمسببي في عرض واحد جمعا، إذ يلزم من دخول كل منهما خروج الآخر، ولكن خروج الأصل السببي عن العموم يوجب التخصيص بلا مخصص، لأنه فرد للعام وجدانا، وليس في البين ما يوجب خروجه عنه، وأما خروج الأصل المسببي عنه فلا يلزم منه ذلك، بل الأصل المسببي خارج عنه بالتخصص، لارتفاع موضوعه، لما عرفت: من أن الأصل السببي رافع للشك المسببي ومعدم له في عالم التشريع، فلا يلزم من خروجه التخصيص بلا مخصص.
وبعبارة أوضح: دخول الشك المسببي في العموم يحتاج إلى مؤنة خروج الشك السببي عنه، فإنه لولا خروجه لا يكاد يمكن دخول الشك المسببي فيه، لعدم انحفاظ الشك، فلابد في دخوله من خروج الشك السببي، بخلاف دخول الشك السببي في العموم، فإنه لا يحتاج إلى مؤنة، لكونه من أفراد العموم وجدانا، فهو داخل بنفسه، ومن المعلوم: أنه إذا توقف شمول العموم لفرد على خروج فرد عنه لا يكون العموم شاملا له من أول الامر لكي يلزم من شموله خروج ما هو معلوم الفردية، وذلك واضح لا خفاء فيه.
هذا كله إذا كان الشك في أحد المستصحبين مسببا عن الشك في الآخر.
وإن كان الشك في كل منهما مسببا عن أمر ثالث: فهو على أقسام، لأنه إما أن يلزم من العمل بالاستصحابين مخالفة عملية للتكليف المنجز، وإما أن لا يلزم منهما مخالفة عملية. وعلى الثاني: فإما أن يقوم دليل من الخارج على عدم إمكان الجمع بين المستصحبين - كتتميم الماء النجس كرا بماء طاهر حيث قام الاجماع على اتحاد حكم المائين المجتمعين فلا يمكن بقاء النجس على نجاسته والطاهر على طهارته - وإما أن لا يقوم دليل على عدم إمكان الجمع بينهما. فان لم يقم دليل على ذلك: فإما أن يكون لبقاء كل من المستصحبين في