التكليف، لما عرفت من قبح التكليف واستهجانه عند عدم القدرة العقلية أو العادية، فقياس باب القدرة بباب الإرادة ليس في محله، لعدم استهجان النهي عن فعل مالا يحصل الداعي إلى إيجاده عادة، واستهجان النهي عن فعل مالا يتمكن من إيجاده عادة، والذي يدلك على ذلك ملاحظة النواهي في الموالي والعبيد العرفية، فإنه لا يكاد يشك في عدم حسن النهي عن فعل مالا يقدر على فعله عادة، وحسن النهي عن فعل مالا يحصل الداعي إلى فعله، كما لو فرض أن العبد بحسب طبعه لا يميل إلى شرب التتن ولا تنقدح إرادته في نفسه، فإنه لا ينبغي التأمل في صحة نهي المولى عن شربه ولا يعد لاغيا في نهيه، بخلاف من لم يقدر على شرب التتن عادة، كما لو كان في أقصى بلاد الهند ولا تصل يده إليه عادة، فإنه يقبح النهي عن شربه ويعد لاغيا في نهيه، وهو واضح لكل من راجع الطريقة المألوفة بين العقلاء في الأوامر والنواهي العرفية.
وقد ظهر مما ذكرنا الوجه في عدم تأثير العلم الاجمالي إذا كان بعض أطرافه خارجا عن مورد الابتلاء لعدم التمكن العادي من الاقتحام فيه.
وحاصله: أن العلم الاجمالي إنما يكون مؤثرا إذا كان المعلوم بالاجمال مما يصح النهي عنه في أي طرف كان حتى يعلم بالتكليف على كل تقدير، ومع خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء لا علم بالتكليف على كل تقدير، لاحتمال أن يكون متعلق التكليف هو الخارج عن مورد الابتلاء، فلا يجري فيه الأصل النافي للتكليف، لأنه لا يترتب عليه أثر عملي ويبقى الطرف الآخر الذي يمكن الابتلاء به جاريا فيه الأصل بلا معارض.
ثم إنه قد يشك في إمكان الابتلاء ببعض الأطراف وعدمه، فان للقدرة العادية مراتب مختلفة يختلف حسن الخطاب وعدمه حسب اختلاف مراتبها، فان الخمر الموجود في أقصى بلاد الهند أو الابعد منه مثلا مما يقطع بخروجه عن مورد الابتلاء وعدم التمكن العادي منه، كما أن الخمر الموجود في هذا البلد مما يقطع