فالتحقيق: أن الأحكام الوضعية ليست بتلك المثابة من الاقتصار، بحيث تختص بالثلاثة أو الخمسة أو التسعة المتقدمة، ولا هي بهذه المثابة من التعميم بحيث تشمل الماهيات المخترعة والولاية والقضاوة، بل ينبغي أن يقال: إن المجعولات الشرعية التي هي من القضايا الكلية الحقيقية على أنحاء ثلاثة: منها ما يكون من الحكم التكليفي، ومنها ما يكون من الحكم الوضعي، ومنها ما يكون من الماهيات المخترعة، فتأمل جيدا.
- الامر الرابع - المجعولات الشرعية: إما أن تكون تأسيسية وهي التي لا تكون لها عين ولا أثر عند العرف والعقلاء، كالأحكام الخمسة التكليفية، وإما أن تكون إمضائية وهي الأمور الاعتبارية العرفية التي يعتبرها العرف والعقلاء، كالملكية والزوجية والرقية والحرية ونحو ذلك من منشآت العقود والايقاعات، فان هذه الأمور الاعتبارية كلها ثابتة عند عامة الناس قبل الشرع والشريعة، وعليها يدور نظامهم ومعاشهم، والشارع قد أمضاها بمثل قوله - تعالى - " أحل الله البيع " و " أوفوا بالعقود " و " الصلح جايز بين المسلمين " ونحو ذلك من الأدلة الواردة في الكتاب والسنة، وليست الملكية المنشأة بالبيع والزوجية المنشأة بالنكاح والتسالم المنشأ بالصلح من المخترعات الشرعية، بل هي من الأمور الاعتبارية العرفية التي أمضاها الشارع بزيادة بعض القيود والخصوصيات، وليست من الأمور الانتزاعية.
وقد خالف الشيخ - قدس سره - في ذلك والتزم بأن هذه الأمور كلها منتزعة عن التكاليف التي في موردها، فالملكية تنتزع من حرمة تصرف الغير في المال، والزوجية تنتزع من جواز وطي الزوج وحرمة نكاح الغير لها، والرقية تنتزع من وجوب إطاعة الرق للمولى، وهكذا سائر الأمور العرفية الاعتبارية التي لها آثار