فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٤ - الصفحة ٣٩٢
وشرائط المجعول، وقد أشرنا في مبحث الأوامر إلى جملة منها، وسيأتي في المقام أيضا الإشارة إلى بعضها.
إذا تمهدت هذه الأمور، فاعلم:
أن الأحكام الوضعية، منها: ما تكون متأصلة بالجعل، ومنها: ما تكون منتزعة عن الوضع أو التكليف الشرعي.
أما الأولى: فكالأمور الاعتبارية العرفية، كالملكية والرقية والزوجية والضمان وغير ذلك منشآت العقود والايقاعات وما يلحق بها، فإنها - على ما تقدمت - متأصلة في وعاء الاعتبار وليست منتزعة عن الأحكام التكليفية، بل في بعضها لا يتصور ما يصلح لان يكون منشأ الانتزاع، كالحجية والطريقية، وقد تقدم تفصيل ذلك في جعل الطرق والامارات.
وأما الثانية: فكالجزئية والشرطية والمانعية والسببية (1) فان هذه الأمور

(1) أقول: بعدما كان المراد من انتزاع الوضع عن التكليف كون الوضع بحقيقته نحو خصوصية مترتبة على التكليف بحيث لولا التكليف لا يكون هذه الخصوصية موجودة لا أن المراد من الانتزاع مجرد إضافة شئ إلى التكليف، كيف! والمكان والزمان والمكلف كلها في إضافتها إلى التكليف منوطة بوجوده، وحيث عرفت ذلك فنقول:
إن جزئية الشئ عبارة عن نحو ارتباط بين الوجودات الغير الحاصلة حقيقة إلا بالتكليف الحاوي لجميعها.
وأما الشرطية والمانعية للمكلف به: فلا ينتزع إلا عن مرحلة التقيد المأخوذ في الموضوع القائمة به التكليف، وحينئذ فجهة القيدية للشئ إنما هو محفوظ في الرتبة السابقة عن التكليف وأن التكليف قائم به كنفس الذات، وإنما التكليف منشأ لإضافة القيد إلى الواجب، فالتكليف في مثله مقوم إضافة القيد إليه بملاحظة تعلق التكليف بتقيده، ولقد عرفت: أن هذه الإضافة أجنبية عن مقام انتزاعية الشئ بحقيقته عن التكليف، وإنما هو موجب لصدق إضافة الشئ المحفوظ في نفسه إلى التكليف، كإضافة الزمان والمكان إليه، ولذا نقول: إن الشرطية والمانعية ليس إلا كذات المقيد من الأمور الواقعية المضافة إلى التكليف، لا أنها بحقايقها منتزعة عن التكليف، فتدبر.
نعم: في السببية لنفس الحكم فإنما هو منتزع عن إناطة شئ بشئ، وحينئذ فان كان المنوط به من الأمور الواقعية كالحرارة بالنسبة إلى النار، فالسببية أيضا من الأمور الواقعية، وإن كان من الأمور الجعلية، فالإناطة المزبورة أيضا مجعولة تبع جعل المنوط، لا أنه مجعول مستقل ولا أنه منتزع عن نفس التكليف، إذ مع عدم جعل الشئ منوطا يستحيل انتزاع السببية لشئ له، كما هو ظاهر.
وحيث عرفت أن الإناطة تبع اعتبارية المنوط، فكما أمكن تعلق الجعل بدوا بالمنوط وكان النظر في مقام الجعل إلى الإناطة تبعا، كذلك يكون النظر إلى جعل المنوط تبعا، وبهذه العناية أمكن دعوى جعلية السبب في الاعتباريات، وفي هذا المقام لا معنى لدعوى واقعية السببية وعدم قابليته للجعل وأن السببية إنما هو من لوازم الذات، إذ هو أجنبي عن السببية للأمور الاعتبارية، كما هو ظاهر.
(٣٩٢)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (3)، السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 ... » »»
الفهرست