فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٤ - الصفحة ١٩٥
لمرتكب الصغيرة والكبيرة، فإنه وإن علم بضيافة الفاسق، إلا أنه يشك في تحقق الاكرام المنهي عنه، لاحتمال أن يكون للتحية دخل في الاكرام.
والسر في ذلك: هو أن متعلقات التكاليف وموضوعاتها إنما هي المسميات والمعنونات الخارجية لا المفاهيم والعناوين (1) فان المفهوم والعنوان غير قابل لتعلق الامر أو النهي به، بل المأمور به والمنهي عنه في قوله: " أكرم العلماء " و " لا تكرم الفساق " هو واقع الاكرام وحقيقته المتعلق بواقع العالم، وكذا المأمور به في قوله تعالى: " أقيموا الصلاة " هو حقيقة الصلاة وما هو الصادر عن المكلف خارجا: من القراءة والركوع والسجود وغير ذلك من الاجزاء التي تحمل عليها الصلاة عند اجتماعها، وليس المأمور به مفهوم الصلاة وعنوانها.
فما ربما يتوهم: من أنه لابد من إحراز انطباق مفهوم الصلاة مثلا على المأتي به خارجا، فلا يجوز الاقتصار على الأقل المتيقن، للشك في صدق الصلاة عليه واضح الفساد، فان الذي لابد منه هو الاتيان بمتعلق الامر وما هو المطالب به خارجا، وليس هو إلا الافعال الخارجية (2) والمقدار المتيقن من تعلق الطلب

(1) أقول: ما هو الصادر خارجا ليس إلا معلول الإرادة، فكيف يعقل أن يكون موضوعه السابق عنها رتبة؟ نعم: في متعلقات التكليف - كالعالم وغيره - والعناوين المأخوذة في المكلف مثل " من استطاع " مثلا كون المتعلق والموضوع نفس المعنون خارجيا أو العنوان فرع الكلام في فعلية الإرادة، فان كان المدار على المرتبة المحركية الفعلية، فلا محيص من كون الموضوع هو المعنون بوجوده خارجا، ولكن هذا المعنى غير مأخوذ في مدلول الخطاب الواقعي المحفوظ قبل مرتبة التنجيز، إذ قبل قيام الطريق إليه لا يبلغ الخطاب إلى مرتبة المحركية بحكم قبح العقاب بلا بيان، ولا يبقى حينئذ إلا مرتبة فعلية الاشتياق القابلة للتحريك، ومثل هذا المعنى لا يحتاج فعلية وجوده إلى وجود الموضوع خارجا، بل يكفي في مثله وجودها في لحاظ الآمر، ومن هذه الجهة أنكرنا القضية الحقيقية في الخطابات التكليفية الواقعية المحفوظة قبل رتبة التنجيز كما لا يخفى، فتدبر.
(2) أقول: بناء على ارتباطية حقيقة الصلاة وأن المأمور به هو هذا المعنون المتقوم بالاتيان المزبور بتمامه يجئ الاشكال المزبور بأن المأتي به يشك في كونه مأمورا به، وحينئذ لابد من علاج هذا الاشكال على المسلكين. وحله بان القطع بتعلق الامر بواقع الصلاة أو بعنوانه لا يقتضي إلا الخروج عن تبعات إضافة الامر إليه، لا تحصيل الجزم بكون المأتي به هو الصلاة المأمور به بعنوانها أو معنونها، كما لا يخفى.
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»
الفهرست