فالحكومة تشارك التخصيص في النتيجة، ولكن تمتاز عنه بأن التخصيص إنما يقتضي رفع الحكم عن بعض أفراد موضوع العام من دون أن يتصرف المخصص في عقد وضع العام أو في عقد حمله، كقوله: " لا تكرم زيدا " عقيب قوله: " أكرم العلماء " فان مفاد قوله " لا تكرم زيدا " ليس إلا عدم وجوب إكرام زيد العالم.
وأما الحكومة: فهي لا تكون إلا بتصرف أحد الدليلين في عقد وضع الآخر أو في عقد حمله، بمعنى: أن دليل الحاكم إما أن يتصرف في موضوع دليل المحكوم بادخال ما يكون خارجا عنه أو باخراج ما يكون داخلا فيه، كقوله:
" زيد عالم " أو " ليس بعالم " عقيب قوله: " أكرم العالم " وإما أن يتصرف في محمول دليل المحكوم بتضييق دائرة الحكم وتخصيصه ببعض حالاته وأفراده، كقوله - تعالى - " ما جعل عليكم في الدين من حرج " وكقوله - صلى الله عليه وآله - " لا ضرر ولا ضرار " بناء على أن يكون الحرج والضرر من الحالات اللاحقة لنفس الاحكام، لا لموضوعاتها، كما أوضحناه في محله.
ولا يعتبر في الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحا ومفسرا لما أريد من دليل المحكوم، كما توهمه بعض الاعلام من كلام الشيخ - قدس سره - في مبحث التعادل والتراجيح، حيث قال - قدس سره -: " وضابط الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر الخ " وسيأتي (إن شاء الله تعالى) ما يتعلق بشرح عبارة الشيخ - قدس سره - في ذلك المبحث، والغرض في المقام مجرد التنبيه على أنه لا يعتبر في الحكومة التفسير وشرح اللفظ، بأن يكون دليل الحاكم مصدرا بأداة التفسير أو ما يلحق به كتفسير قرينة المجاز لما أريد من لفظ ذي القرينة، كقوله: " رأيت أسدا يرمي " حيث إن كلمة " يرمي " تكون شارحة ومفسرة لما أريد من لفظ " الأسد ".
وكأن من اعتبر في الحكومة أن يكون دليل الحاكم بمدلوله اللفظي مفسرا لما أريد