- التنبيه الثامن - قد اشتهر بين المتأخرين القول باعتبار مثبتات الامارات دون مثبتات الأصول، خلافا لما يظهر من بعض كلمات المتقدمين، وتحقيق الكلام في ذلك يستدعي بيان ما تمتاز به الامارات عن الأصول موضوعا وحكما.
أما امتيازها من حيث الموضوع فبأمور:
الأول: عدم أخذ الشك في موضوع الامارة وأخذه في موضوع الأصل، فان التبعد بالأصول العملية إنما يكون في مقام الحيرة والشك في الحكم الواقعي، فقد اخذ الشك في موضوع أدلة الأصول مطلقا محرزة كانت أو غير محرزة، بخلاف الامارات، فان أدلة اعتبارها مطلقة لم يؤخذ الشك قيدا فيها، كقول - عليه السلام - " العمري ثقة فما أدى إليك عني فعني يؤدي ".
نعم: الشك في باب الامارات إنما يكون موردا للتعبد بها، لأنه لا يعقل التعبد بالامارة وجعلها طريقا محرزة للواقع مع انكشاف الواقع والعلم به، فلابد وأن يكون التعبد بالامارة في مورد الجهل بالواقع وعدم انكشافه لدى من قامت عنده الامارة، ولكن كون الشك موردا غير أخذ الشك موضوعا، كما لا يخفى.
الامر الثاني: الامارة إنما تكون كاشفة عن الواقع مع قطع النظر عن التعبد بها، بخلاف الأصول العملية، غايته أن كشفها ليس تاما كالعلم، بل كشفا ناقصا يجامعه احتمال الخلاف، فكل أمارة ظنية تشارك العلم من حيث الاحراز والكشف عما تحكي عنه، والفرق بينهما إنما يكون بالنقص والكمال، فان كاشفية العلم وإحرازه تام لا يجتمع معه احتمال الخلاف، وأما كاشفية الامارة وإحرازها فهو ناقص يجتمع معه احتمال الخلاف، فالأمارات الظنية تقتضي الكشف والاحراز بذاتها مع قطع النظر عن التعبد بها، وإنما التعبد