ولا تفويض " ما محصوله: أن شبهة الجبر والتفويض من الشبهات العضال التي عجز جل أكابر البشر عن حلها بحيث لا يلزم أحد المحذورين: من استغناء المخلوق عن الحق تعالى شأنه واستقلاله في الفاعلية، أو من نسبة الأفعال كلها إلى الحق تعالى فإن الأول شرك والثاني كفر، بل التزموا بأحد المحذورين. وأعاظم الحكماء والعرفاء اختاروا صحة نسبة الأفعال كلها إلى الحق المتعال وسموه التوحيد الأفعالي.
أما صاحب الشريعة المقدسة فقد جاء في حلها بما يبهر العقول من تذكره إلى فقر الفاعل في ذاته وأفعاله إلى الحق في عين امتناع نسبة الأفعال إليه سبحانه.
وجملة الكلام أن البشر من حيث ذاته وقواه لا شيئية له بذاته بوجه من الوجوه حتى الشيئية الماهوية، بل هو حيث الشيئية والكون بالغير، فحيث ذاته صرف الفقر والعجز والموت والجهل، ولكن الله الذي هو مشئ الأشياء ومكونها، شيئه وكونه وملكه الحياة والعلم والعقل والقوة والقدرة، في عين كونه تعالى أملك بكلها حال تمليكه إياها، فلا استقلال له بوجه من الوجوه ولا استغناء له عنه تعالى، فلا تفويض، لاحتياجه في ذاته وقواه في كل الآنات إليه تعالى وإلى حوله وقوته وإلطافه وإمداده.
وحيث أن العبد مالك بالحقيقة لتلك الكمالات والنعمات بتمليكه تعالى، يكون نسبة الأفعال إليه تعالى خلاف مالكية العبد للرأي والاختيار، وحيث إن مالكية الرأي المخصص للطرفين (أي الفعل والترك) عين القدرة على الطرفين، ولا يكون مرجح أحدهما غير الرأي، ولا يتوقف الرأي إلا على القدرة ولا ينشأ ولا يتحقق إلا بها ومنها، فلا جبر، ويمتنع عليه شئ من التوفيقات والخذلانات في تحقق الفعل أو تركه للخلف.
بعبارة ثانية من تأمل في القرآن والروايات المتواترة، يرى أنها تذكرة إلى ما هو الظاهر لكل أحد من فقره الذاتي ووجد انه الحياة والعلم والشعور والقوة والرأي مرة وفقدانه أخرى، وإلى تحقق أفعاله المقدورة عن رأيه المخصص لأحد