ولما توفى المعز وولى العزيز قام أفتكين وقصد البلاد التي لهم بساحل الشأم فبدأ بصيدا فحاصرها وبها ابن الشيخ في رؤس المغاربة وظالم بن موهوب العقيلي فبرزوا إليه وقاتلوه فاستنجد لهم ثم كر عليهم وأوقع بهم وقتل منهم أربعة آلاف وسار إلى عكة فحاصرها وقصد طبرية وفعل فيها مثل صيدا ورجع واستشار العزيز وزيره يعقوب ابن كلس فأشار بارسال جوهر الكاتب إليه فجهزه العزيز وبعثه وأقبل أفتكين على أهل دمشق يريهم التحول عنهم ويذكرهم بذلك ليختبرهم فتطارحوا إليه واستماتوا واستحلفهم على ذلك ووصل جوهر في ذي القعدة سنة خمس وستين فحاصر دمشق شهرين وضيق حصارها وكتب أفتكين إلى الأعصم ملك القرامطة يستنجده فسار إليه من الأحساء واجتمع إليهم من رجال الشأم والعرب نحو من خمسين ألفا وأدركوا جوهرا بالرملة وقطعوا عنه الماء فارتحل إلى عسقلان فحاصروه بها حتى بلغ الجهد وأرسل جوهر إلى أفتكين بالمغاربة والوعد والقرمطي يمنعه ثم سأله في الاجتماع فجاءه أفتكين ولم يزل جوهر يعتل له في الدورة والغارب وأفتكين يعتذر بالقرمطي ويقول أنت حملتني على مداراته فلما أيس منه كشف لهم عماهم فيه من الضيق وسأله الصنيعة وأنها يتخذها عند العزيز فحلف له على ذلك وعزله القرمطي وأراه جوهر أن يحمل العزيز على المسير بنفسه فضم من عزله وأبى الا الوفاء وانطلق جوهر إلى مصر وأغرى العزيز بالمسير إليهم فتجهز في العساكر وسار وجوهر في مقدمته ورجع أفتكين والقرمطي إلى الرملة واحتشدوا ووصل العزيز فاصطفوا للحرب بظاهر الرملة في محرم سنة سبع وستين وبعث العزيز إلى أفتكين يدعوه إلى الطاعة ويرغبه ويعده بالتقدم في دولته ويدعوه إلى الحضور عنده فتقدم بين الصفين وترجل وقبل الأرض وقال قل لأمير المؤمنين لو كان قبل هذه لسارعت وأما الآن فلا يمكنني وحمل على الميسرة فهزمهم وقتل الكثير منهم فامتعض العزيز وحمل هو والميمنة جميعا فهزمهم ووضع المغاربة السيف فقتلوا نحوا من عشرين ألفا ثم نزل في خيامه وجئ بالأسرى فخلع على من جاء بهم وبذل لمن جاء بأفتكين مائة ألف دينار فلقيه المفرج بن دغفل الطائي وقد جهده العطش فاستسقاه فسقاه وتركه بعرشه مكرما وجاء إلى العزيز فأخبره بمكانه وأخذ المائة ألف التي بذلها فيه وأمكنه من قياده ولما حضر عند العزيز وهو لا يشك انه مقتول أكرمه العزيز ووصله ونصب له الخيام وأعاد إليه ما نهب له ورجع به إلى مصر فجعله أخص خدمه وحجابه وبعث إلى الأعصم القرمطي من يرد إليه ليصله كما فعل بأفتكين فأدرك بطبرية وامتنع من الرجوع فبعث إليه بعشرين ألف دينار وفرضها له ضريبة وسار
(٥٢)