هشام بن عبد الجبار بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله من اعياص الملك وأعقاب الخلفاء ولقبوه المهدى وطار الخبر إلى الحاجب بمكانه من الثغر فانفض جمعه وقفل إلى الحضرة مدلا بمكانه زعيما بنفسه حتى إذا قرب من الحضرة تسلل عنه الجند ووجوه البربر ولحقوا بقرطبة وبايعوا المهدى القائم با لامر وأغروه بالناصر واعترضه منهم من تقبض عليه واحتز رأسه وحمله إلى المهدى والى الجماعة وذهبت دولة العامريين * (ثورة البربر وبيعة المستعين وفرار المهدى) * كان الجند من البرابرة وزناتة قد ظاهروا المنصور على أمره وأصبحوا شيعة لبنيه من بعده ورؤساؤهم يومئذ زاوي بن مناد الصنهاجي وبنو ماكير ابن أخيه زيرى ومحمد ابن عبد الله البرز إلى ونصيل بن حميد المكناسي الفازع أبوه عن العبيديين انى الناصر وزيري بن غزانة المتيطى وأبو زيد بن دوناس اليفرنى وعبد الرحمن بن عطاف اليفرنى وأبو نور بن أبي قرة اليفرنى وأبو الفتوح بن ناصر وحزرون بن محصن المغراوي وبكساس ابن سيد الناس ومحمد بن ليلى المغراوي فيمن إليهم من عشائرهم فلحقوا بمحمد بن هشام لما رأوا من انتقاض أمر عبد الرحمن وسوء تدبيره وكانت الأموية تعتد عليهم ما كان من مظاهرتهم العامريين وتنسب إليهم تغلب المنصور وبنيه على أمرهم فسخطتهم القلوب وخزرتهم العيون وتنفست بذلك صدور الغوغاء من أذيال الدولة ولفظت به ألسنة الدهماء من المدينة وأمر محمد بن هشام أن لا يركبوا ولا يتسلحوا وردوا في بعض الأيام من باب القصر وانتهب العامة يومئذ دورهم ودخل زاوي وابن أخيه حساسة وأبو الفتوح بن الناصر على المهدى شاكين بما أصابهم فاعتذر إليهم وقتل من آذاهم من العامة في أمرهم وكان مع ذلك مظهرا لبغضهم مجاهرا بسوء الثناء عليهم وبلغهم انه سره الفتك بهم فتمشت رجالاتهم وأسروا نجواهم هشام بن سليمان بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله وفشى في الخاصة حديثهم فعوجلوا عن أمرهم ذلك وأغرى بهم السواد الأعظم فثاروا بهم وأزعجوهم عن المدينة وتقبض على هشام وأخيه أبى بكر وأحضرا بين يدي المهدى فضرب أعناقهما ولحق سليمان ابن أخيهما الحكم بجنود البربر وزناتة وقد اجتمعوا بظاهر قرطبة وتآمروا فبايعوه ولقبوه المستعين بالله ونهضوا به إلى ثغر طليطلة فاستجاش بابن ادفونش ثم نهض في جموع البرابرة والنصرانية إلى قرطبة وبرز إليهم المهدى في كافة أهل البلد وخاصة الدولة وكانت الدبرة عليهم واستلحم منهم ما يزيد على عشرين ألفا وهلك من خيار الناس وأئمة المساجد وسدنتها ومؤذنيها عالم ودخل المستعين قرطبة خاتم المائة الرابعة ولحق ابن عبد الجبار بطليطلة
(١٥٠)