ولما جاء أسد الدين وأصحابه إلى مصر وملكوها ودفعوهم عنها ندموا على ما فرطوا فيها وانقطع عنهم ما كان يصل إليهم وخشوا غائلة الغز على بيت المقدس وكاتبوا الفرنج بصقلية والأندلس واستنجدوهم وجاءهم المدد من كل ناحية فنازلوا دمياط سنة خمس وستين وبها شمس الخواص منكوريين فأمدها صلاح الدين بالعساكر والأموال مع بهاء الدين قراقوش وأمراء العز واستمد نور الدين واعتذر عن المسير إليها بشأن مصر والشيعة فبعث نور الدين العساكر إليها شيئا فشيئا وسار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشأم فضيق عليها فاقلع الفرنج عن دمياط لخمسين يوما من نزولها فوجدوا بلادهم خرابا وأثنى العاضد على صلاح الدين في ذلك ثم بعث صلاح الدين غرابيه نجم الدين وأصحابه إلى مصر وركب العاضد للقائه تكرمة له * (واقعة الخصيان وعمارة) * ولما استقام الامر لصلاح الدين بمصر غص به الشيعة وأولياؤهم واجتمع منهم العوريش وقاضي القضاة ابن كامل والأمير المعروف والكاتب عبد الصمد وكان فصيحا وعمارة اليمنى الشاعر الزبيدي وكان متولى كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لاخراج الغز من مصر وجعلوا لهم نصيبا وافرا من ارتفاعها وعمدوا إلى شيعي من خصيان القصر اسمه نجاح ولقبه مؤتمن الدولة وكان قدر بي العاضد وصهره فأغروه بذلك ورغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبسا بذلك ولم يكن العاضد الذي حضر وأوهموه أنه عقد معه ثم اتصل الخبر بنجم الدين بن مضيال من أولياء الشيعة وكان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين وولاه الإسكندرية واستغضبه بهاء الدين قراقوش ببعض النزغات فظنوا انه غضب فأطلعوه على شأنهم وأن يكون وزيرا وعمارة كاتب الدست وصاحب ديوان الانشاء والمكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة داعي الدعاة وعبد الصمد جابي الأموال والعوريش ناظرا عليه فوافقهم ابن مضيال ووشى بهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وعلى رسول الفرنج وقررهم في عدة مجالس وأحضر زمام القصر وهو مختص العرز ونكر عليه خروج العاضد إلى بيت نجاح فحلف على نفسه وعلى العاضد ان هذا لم يقع وأخبر العاضد بطلب حضور نجاح مع مختص فحضروا عترف بالحق أن العاضد لم يحضر فتحقق صلاح الدين براءته وكان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه فنقل لأخيه صلاح الدين انه امتدحه بقصيدة يغريه فيها بالمضي إلى اليمن ويحمله على الاستبداد وانه تعرض فيها للجانب النبوي يوجب استباحة دمه وهو قوله فاخلق لنفسك ملكا لا تضاف به * إلى سواك وأور النار في العلم
(٨٠)