ولما استفحل ملك الناصر صرف نظره إلى تشييد المباني والقصور وكان جده الأمير محمد وأبو عبد الرحمن الأوسط وجده الحكم قد اختلفوا في ذلك وبنوا قصورهم على أكمل الاتفاق والضخامة وكان منها المجلس الزاهر والبهو الكامل والقصر المنيف فبنى هو إلى جانب الزاهر قصره العظيم وسماه دار الروضة وجلب الماء إلى قصورهم من الجبل واستدعى عرفاء المهندسين والبنائين من كل قطر فوفدوا عليه حتى من بغداد والقسطنطينية ثم أخذ في بناء المنتزهات فاتخذ مينا الناعورة خارج القصور وساق لها الماء من أعلى الجبل على بعد المسافة ثم اختط مدينة الزهراء واتخذها منزله وكرسيا لملكه فأنشأ فيها من المباني والقصور والبساتين ما علا على مبانيهم الأولى واتخذ فيها مجالات للوحش فسيحة الفناء متباعدة السياح ومسارح الطيور ومظللة بالشباك واتخذ فيها دار الصناعة آلات من آلاف السلاح للحرب والحلي للزينة وغير ذلك من المهن وأمر بعمل الظلة على صحن الجامع بقرطبة وقاية للناس من حر الشمس * (وفاة الناصر وولاية ابنه الحكم المستنصر) * ثم توفى الناصر سنة خمسين وثلثمائة أعظم ما كان سلطانه وأعر ما كان الاسلام بملكه وكان له قضاة أربعة مسلم بن عبد العزيز وأحمد بن بقي بن مخلد؟؟ ومحمد ابن عبد الله بن أبي عيسى ومنذر بن سعيد البلوطي ولما توفى الناصر ولى ابنه الحكم وتلقب المستنصر بالله وولى على حجابته جعفر المصحفي وأهدى له يوم ولايته هدية كان فيها من الأصناف ما ذكره ابن حبان في المقتبس وهي مائة مملوك من الفرنج ناشئة على خيول صافنة كاملو الشيكة والأسلحة من السيوف والرماح والدرق والتراس والقلانس الهندوية وثلثمائة ونيف وعشرون درعا مختلفة الأجناس وثلثمائة خودة كذلك ومائة بيضة هندية وخمسون خودة حبشية من حبشيات الإفرنجة غير الحبشي التي يسمونها الطاشانية وثلثمائة حربة إفرنجية ومائة ترس سلطانية الجنس وعشرة جواشن نقية مذهبة وخمسة وعشرون قرنا مذهبة من قرون الجاموس ولأول وفاة الناصر طمع الجلالقة في الثغور فغزا الحكم بنفسه واستباحها وقفل فبادروا إلى عقد السلم معه وانقبضوا عما كانوا فيه ثم أغزى غالبا مولاه بلاد جليقة وسار إلى مدينة سالم قبل الدخول لدار الحرب فجمع له الجلالقة ولقيهم على اشتة فهزمهم واستباحهم وأوطأ العساكر بلاد فردلند القومس ودوخها وكان سانجة بن رذمير ملك البشكنس قد انتقض فأغزاه الحكم يحيى بن محمد التجيبي صاحب سرقسطة في العساكر وجاء ملك الجلالقة لنصره فهزمهم وامتنعوا وعاث في نواحيها وأغزى الهذيل بن هاشم ومولاه غالبا فعاثا فيها
(١٤٤)