ولما رجع أسد الدين من مصر إلى الشأم أقام بها في خدمة نور الدين ثم استأذن نور الدين العادل سنة ثنتين وستين في العود إلى مصر فأذن له وجهزه في العساكر وسار إلى مصر ونازل بلاد الفرنج في طريقه ثم وصل إلى اطفيح من ديار مصر وعبر النيل إلى الجانب الغربي ونزل الجيزة وتصرف في البلاد الغربية نيفا وخمسين واستمد شاور الفرنج وجاء بهم إلى مصر وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه فأدركوه بالصعيد فرجع للقائهم على رهب لكثرة عددهم وصدقهم القتال فهزمهم على قلة من معه فإنهم لم يبلغوا ألفى فارس ثم سار إلى الإسكندرية وهو يجبى الأموال في طريقه إلى أن وصلها فاستأمن أهلها وملكها وولى عليها صلاح الدين يوسف بن أخيه نجم الدين أيوب ورجع إلى جباية الصعيد واجتمعت عساكر مصر والفرنج على القاهرة وأزاحوا عللهم وساروا إلى الإسكندرية وحاصروا بها صلاح الدين فسار أسد الدين إليهم من الصعيد ثم خذله بعض من معه من التركمان بمداخلة شاور وبعثوا له اثر ذلك في الصلح فصالحهم ورد إليهم الإسكندرية ورجع إلى دمشق فدخلها آخر ذي القعدة من سنة ثنتين وستين واستطال الفرنج على أهل مصر وشرطوا عليهم أن ينزلوا بالقاهرة وشحنة وأن تكون أبوابها بأيديهم لئلا تدخل عساكر نور الدين وقرر ضريبة يحملها كل سنة فأجابه إلى ذلك * (رجوع أسد الدين إلى مصر ومقتل شاور ووزارته) * ثم طمع الإفرنج في مصر واستطالوا على أهلها وملكوا بلبيس واعتزموا على قصد القاهرة وأمر شاور بتخريب مصر خشية عليها منهم فحرقت ونهب أهلها ونزل الفرنج على القاهرة وأرسل العاضد إلى نور الدين يستنجده وخشى شاور من اتفاق العاضد ونور الدين فداخل الفرنج في الصلح على ألفى ألف دينار مصرية معجلة وعشرة آلاف أردب من الزرع وحذرهم أمر القهر إلى ذلك وكان فيه السفير الجليس بن عبد القوى وكان الشيخ الموفق كاتب السرو كان العاضد قد أمرهم بالرجوع إلى رأيه وقال هو رب الحرمة علينا وعلى آبائنا وأهل النصيحة لنا فأمر الكامل شجاع بن شاور القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني أن يأتيه ويشاوره فقال له قل لمولانا يعنى العاضد ان تقرير الجزية للفرنج خير من دخول الغز للبلاد واطلاعهم على الأحوال ثم بعث نور الدين العساكر مع أسد الدين شيركوه مددا للعاضد كما سأل وبعث معه صلاح الدين ابن أخيه وجماعة الأمراء فلما سمع الفرنج بوصولهم أفرجوا عن القاهرة ورجعوا إلى بلادهم وقال ابن الطويل مؤرخ دولة العبيديين انه هزمهم على القاهرة ونهب معسكرهم ودخل أسد الدين إلى القاهرة في جمادى سنة أربع وستين وخلع عليه
(٧٨)