بالشبهات ارتكب المحرمات) المحرمات التي تكون في مورد الشبهات لو فرض كونها محرمات في الواقع، فيكون معنى قوله: ارتكب المحرمات، انه يمكن ان يرتكب المحرمات الواقعية بان يكون في خلال الشبهات، محرمات فهي وراء الحرام البين المذكور في قبال الشبهات وعلى هذا الفرض فترتيب الهلاكة عليها بقوله: (وهلك من حيث لا يعلم) يدل على كون المحرمات على فرض تحققها في ضمن الشبهات فعلية منجزة إذ الظاهر من الهلاكة هي العقوبة والعقوبة على التكليف الفعلي وحيث لا تعقل الفعلية مع عدم وصول التكليف بنفسه أو بطريقه إلى العبد فبدلالة الاقتضاء يعلم كون الحديث بصدد بيان إيجاب الاحتياط، فيدل الحديث على مقصود الاخباري.
الثاني:
ان يكون المراد من المحرمات في قوله: (ارتكب المحرمات) المحرمات البينة المذكورة في قبال الشبهات فيكون المقصود ان ارتكاب الشبهات، يوجب جرأة للانسان توقعه تدريجا في ارتكاب المحرمات البينة، واما إذا اجتنبها فتعتاد النفس على الارتياض فلا تقرب حول المحرمات البينة حيث إن المكروهات والشبهات حريم المحرمات ومن لم يرتع غنمه حول الحمى لم يقع فيه، فيكون مفاد الحديث على هذا، مفاد قوله: (ومن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك). وبهذا المضمون، روايات كثيرة في الباب 12 من أبواب صفات القاضي والمراد بقوله: (هلك من حيث لا يعلم) وقوعه غفلة في المحرمات البينة فان ارتكاب الشبهات ليس علة تامة لوقوعه في المحرمات، بل ربما يترتب عليه الوقوع فيه باعتبار تساهله وعدم اهتمامه وجرأة نفسه مع الغفلة عن أن هذه الأمور أثر ارتكاب الشبهات والدخول في الحريم. وعلى هذا الفرض فلا تدل الرواية على مقصود الاخباري كما هو واضح.
بل التحقيق: انه على الفرض الأول أيضا لا تدل على مقصوده إذ الظاهر من المحرمات في قوله: (نجا من المحرمات) وفي قوله: (ارتكب المحرمات) هي المحرمات الفعلية، فالمراد تقسيم الأمور إلى ثلاثة أقسام: محللات فعلية بينة ومحرمات فعلية ومشتبهات فعلية أي محتملة للحلية الفعلية وللحرمة الفعلية، وظاهر الحديث كون الانقسام إلى الثلاثة مع قطع النظر عن هذا الحديث، فكما ان المحرمات البينة محرمات فعلية مع قطع النظر عن هذا الحديث وكذلك المحلات، فكذلك المشتبهات، فالمراد بها ما احتملت حرمته الفعلية مع قطع النظر عن هذا الحديث الذي يتوهم الاخباري دلالته على إيجاب الاحتياط، وحملها على ما لا يكون فعلية في الرتبة السابقة ويكون فعلية بهذا الحديث خلاف الظاهر.