وعلى هذا، فتستنتج من التقرير الذي ذكرناه للانسداد ونسبناه إلى قدماء الأصحاب، حجية الخبر الواحد سندا وظهورا إذا كان رواية ثقة ضابطا، فإنه الطريق العادي المتعارف لاثبات ما يجب ان يعلم من قبل المولى الذي لا سبيل إلى السماع منه بلا واسطة ولذا استدل به (صاحب المعالم) لاثبات حجية الخبر سندا، وبعض اخر لاثبات حجية الظواهر، واما الاجتهادات والاستحسانات الظنية فليست طرقا متعارفة عادية لتشخيص ما لا يعلم الا من قبل الغير وإن كان بناء المخالفين على تشخيصها وإثباتها بمثلها، حيث جرت سيرة علمائهم على إعمال الاجتهاد في تحصيل ملاكات الاحكام المنصوصة ثم قياس الوقائع المشابهة، وعلى حدس الاحكام وتخمينها حسب ما يظنونها من المصلحة والمفسدة في الوقائع التي لا يجدون لها مشابها تقاس عليه، وكان يسمى الأول بالقياس والثاني بالاستحسان و عمدة ما ألجأتهم إلى ذلك قلة الاخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله في الاحكام فإنها بين ثلاثمائة وأربعمائة وعدم تمسكهم بأذيال آل الرسول حتى يرتووا من مناهلهم، وقد عرفت عدم كون هذه الأمور طرقا عادية عقلائية لتشخيص ما لا يعلم الا من قبل الغير بل ينحصر طريقه في السماع منه بلا واسطة أو النقل عنه، ومن هذا القبيل، الأحكام الشرعية.
وبهذا البيان، يظهر ان الظن القياسي ونحوه خارج من أول الأمر عما تثبت حجيته بدليل الانسداد ولا نحتاج لاخراجه إلى مخصص حتى يجري الاشكال في إخراجه على الحكومة، حيث عرفت ان ما تثبت حجيته بدليل الانسداد على تقريب ذكرناه هو حجية الاخبار الآحاد فقط وان لم يحصل منها ظن شخصي.
بل يمكن ان يقال: ان جريان السيرة عند العقلا على العمل بالظواهر والاعتماد على الاخبار من حيث السند أيضا يبتنى على هذا الأساس الذي شيدناه في تقريب الانسداد، فالانسداد النوعي حكمة لجريان بنائهم على العمل بالظواهر والاخبار حيث لا طريق نوعا لتشخيص أحكام الموالي الا الاعتماد على ظواهر ألفاظه والاخبار المنقولة عنه بالطرق الموثوق بها، ولو انسد هذا الباب لانسد باب إطاعة الأوامر والنواهي والقوانين المجعولة، خصوصا في مثل شريعة الاسلام الذي كثرت أحكامه وتشعبت غصونه كما عرفت، وأراد الشارع بقاء أحكامه إلى يوم القيامة معمولا بها في جميع الأمصار لتحصل للناس سعادة الدارين وترتفع المنازعات والمخاصمات ويطلعوا على أحكام المعاملات وتجري بينهم السياسات الموضوعة لحفظ نظامهم كأحكام الحدود والقصاص والديات ونحو ذلك فإنه لا طريق لاثبات هذه الأحكام الكثيرة الا الاخبار الآحاد كما عرفت.