إذا عرفت هذه المقدمات وتبين لك موضع النزاع فنقول:
انه لا يبقى مجال للتشكيك في تنجيز العلم الاجمالي بعد فرض تعلقه بحقيقة الحكم أعني بعث المولى وتحريكه، لكونه سببا لوصول الحكم إلى العبد وإمكان تأثيره في نفسه وانبعاثه من قبله وارتفاع ما كان مانعا عن فعليته وتنجيزه أعني الجهل به، فيحكم العقل حينئذ باستحقاق العقوبة على مخالفته وعدم فرق بينه وبين العلم التفصيلي في وجوب موافقته وحرمة مخالفته. وليس له الاعتذار بالجهل التفصيلي به بعد العلم بوجوده وانكشاف توجهه إليه وكما لا تجوز مخالفته القطعية، تجب موافقته القطعية بارتكاب الطرفين فيما إذا علم بوجوب أحدهما وتركهما فيما إذا علم بحرمة أحدهما و لكن لا من جهة كون الطرفين واجبين أو محرمين، بل من جهة كون ارتكابهما أو تركهما مقدمة علمية لاتيان الواقع، فالاعتبار انما هو بموافقة الواقع ومخالفته بعد فعليته وتنجزه.
وما ذكره الشيخ (قده) من إمكان اقتناع الشارع في مقام الامتثال بالموافقة الاحتمالية وجعل المأتي به بدلا عن الواقع، ففيه:
ان هذا غير صحيح بعد ما عرفت ما هو محل النزاع، أعني صورة كون الواقع فعليا على أي حال بمعنى عدم تصرف المولى في حكمه برفع اليد عنه، وببيان أوضح: المراد بجعل البدل، اما هو الجعل في مقام الواقع بان يكون حرمة خصوص الخمر منحصرا بما إذا علم به تفصيلا واما إذا علم به إجمالا، فالحرام أحد الإناءين بنحو التخيير، و اما الجعل في مقام الظاهر ومقام الامتثال بعد بقاء الواقع على ما هو عليه من إطلاقه، فعلى الأول يكون فرض جعل البدل، خروجا عن الفرض من إطلاق الحكم الواقعي أعني حرمة الخمر وعدم تقييدها بالعلم التفصيلي. وعلى الثاني، يرد عليه ان ثبوت الحكم بإطلاقه و فعليته على أي تقدير وفي أي طرف كان، ينافي الترخيص ولو في بعض الأطراف كما هو واضح، إذ الفرض تنجز الحكم وفعليته ولو كان في الطرف المرخص فيه ومعنى تنجزه استحقاق العبد للعقوبة على مخالفته بما هي مخالفته من دون ان يستحق العقوبة على شي آخر، فلو فرض عبدان، علم كل منهما بحرمة إناءين فارتكب أحدهما كليهما والاخر أحدهما واتفق كونه الحرام واقعا، لا يرى العقل فرقا بين العبدين في مخالفة تكليف المولى بعد وصوله إليهما وكونهما مستحقين للعقوبة لذلك.
فان قلت: لا نسلم كون العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي، علة تامة للتنجيز، بداهة كون كل