مصداقا للخروج عن رسم عبوديته، وهذا هو بعينه ملاك الاستحقاق في العاصي أيضا، فالمبدأ النفساني في كل من العاصي والمتجرى قد تحرك إلى أن وصل إلى آخر مرتبة الفعلية، غاية الأمر، تصادف قطع العاصي دون المتجري ولكنه خارج عن تحت اختيارهما، فالقول بثبوت الاستحقاق على المراتب السابقة على الفعلية كالعزم و الإرادة، فضلا عن خبث السريرة في غاية الفساد، بداهة بقاء موقع الاستعذار للعبد عن جميع المبادي ما لم يصل إلى مرتبة الفعل، كما أن القول بدخالة المصادفة في ذلك وكون المتجرى والعاصي مختلفين في الاستحقاق مع اشتراكهما في جميع المراحل، أفسد من القول الأول، فخير الأمور أوسطها.
ولا يتوهم ان موجب الاستحقاق، هو الاتيان بمبغوض المولى والترك لمحبوبه ولا يتحققان الا عند المصادفة وذلك لما عرفت من أن باب الثواب والعقاب غير مربوط بالجهات الواقعية من المصالح و المفاسد والمحبوبية والمبغوضية ولذا لو فرض امر المولى وبلا مصلحة ومحبوبية، كان مخالفته موجبة للاستحقاق كما لا يخفى. [1] ثم إن نية المعصية، ان تعقبها الندم، فلا إشكال في عدم إيجابها للاستحقاق واما إذا لم يتعقبها ذلك بان كان مجدا في حصول العصيان ولكن العوائق الخارجية حالت بينه وبين مقصوده، فقد وقع الكلام في إيجابها للاستحقاق، ولا يهمنا التعرض لذلك نفيا أو إثباتا. وما يتراءى من الاستدلال لنفيه بالاختبار الحاكمة بعدم العقاب، فاسد إذ مدلولها نفى الفعلية لا الاستحقاق وهو المتنازع فيه، فلعل ما دل على الثبوت، دل على الاستحقاق، وما دل على العدم كان المراد منه عدم الفعلية فافهم.
[1] لقائل ان يقول: ان الموجب للاستحقاق ليس هو الاتيان بمبغوض المولى بل مخالفة امره ونهيه بلا عذر فيها من جهل أو عجز أو نحوهما وما هو المخرج عن رسم العبودية، هو ذلك لا مطلق مخالفة العلم وان لم يصادف إذ لا نسلم ان رسم العبودية عدم مخالفته مطلقا، بل رسمها العمل بأوامره والانتهاء عن نواهيه مع التنجز. ح - ع - م.