إذا عرفت جهات البحث فنقول: اما احتمال ثبوت الحرمة الشرعية بقسميه فمما يرتفع بتأمل ما، لعدم الدليل عليها وعدم ثبوت ملاك يقتضيها، مضافا إلى أنه يرد على القسم الأول من قسميه، لزوم التسلسل في الاحكام إذ لو كان مقطوع الحرمة بما هو مقطوع الحرمة موضوعا لحرمة شرعية أخرى فهذه أيضا يصير مقطوعا وتتعلق به حرمة أخرى وبعد القطع بها أيضا تتعلق حرمة أخرى، فتتسلسل الاحكام.
ويرد على القسم الثاني أعني القول بثبوت الحرمة لمقطوع الحرمة الذي خالف قطعه، ما ذكره المحقق الخراساني، من أن القاطع لا يتيسر له الالتفات إلى مخالفة قطعه للواقع ويستحيل ذلك منه فيلزم تعليق الحكم على موضوع يستحيل الالتفات إليه وكيف كان فاحتمال ثبوت الحكم الشرعي في صورة التجري بلا وجه.
واما القبح العقلي فاحتمال كون التجري قبيحا بملاك مستقل أيضا بلا وجه، للقطع بعدم ملاك اخر.
فيبقى الكلام في أن ما هو الملاك لحكم العقل بقبح العصيان، هل يكون ثابتا في التجري أم لا؟ والحق ثبوت ذلك فيحكم العقل بقبح الفعل المتجري به ولكن لا بعنوانه الذاتي أي بما هو شرب الماء مثلا، بل بجهة انتسابه إلى المولى وكونه هتكا لحرمته وخروجا عن رسم عبوديته. وهذا هو بعينه ملاك قبح العصيان.
وتفصيل ذلك: ان صدور الفعل من العبد، مسبوق بمبادئ نفسانية متحققة على سبيل التعاقب ويكون غايتها، تحقق الفعل خارجا، فيتصور العبد أو لا الفعل، ثم يلاحظ جهاته المحسنة والمقبحة فيتحقق في نفسه الميل، ثم يشتد إلى أن يصل إلى مرتبة الشوق المؤكد، ثم تتعقبه الإرادة فيحرك العضلات ويوجد الفعل خارجا. فالميل النفساني بمنزلة بذر تحرك إلى أن وصل إلى آخر مراتب الفعلية أعني صورة الفعل خارجا، وقد تحقق في محله ان الحركة عبارة عن خروج الشئ من القوة إلى الفعلية على سبيل التدرج، وقبل وصول هذا المتحرك إلى اخر مراتبها يكون للعبد معاوقته عن الوصول إلى المرتبة الفعلية.
واما بعد وصوله إلى اخر مراتبها فقد أنهى العبد كمال قدرته ولم يبق محل للعذر، إذ كل ما كان بيده فقد تحقق منه فإذا تصور المعصية، ثم انصرف عنها يستعذر بالانصراف ويكون عذره مقبولا، و كذا إذا تصور ومال ولم تتحقق المراتب الأخرى بل له الاعتذار ولو وصل إلى مرتبة الإرادة ثم فسخها. واما إذا تحقق منه الفعل فلم يبق محل الاعتذار العبد سواء صادف ما