التخيير نظير الواجب التخييري حتى يكون لازم ذلك، التخيير في مقام العمل، بل معنى ذلك، علمه بتحريم المولى فردا خاصا معينا في متن الواقع، غاية الأمر، ان جهل العبد بخصوصياته، أوجب اشتباهه، فعلمه بحرمة إناء زيد أو إناء عمرو مثلا بمعنى انه يعلم أن الحرمة اما ان تتعلق بخصوص إناء زيد أو بخصوص إناء عمرو، وبالجملة، فيعلم ان مطلوب المولى، واحد منهما بخصوصه ولكنه قد خفي عليه.
الثالثة: قد عرفت سابقا ان عد المصالح والمفاسد أو الانشاء الذي ليس بداعي البعث من مراتب الحكم، في غير محله وان الحكم عبارة عن الانشاء الصادر عن المولى بداعي البعث والتحريك أو الزجر و الامساك وقد عرفت أيضا ان له مرتبتين: الشأنية والفعلية.
بتقريب ان الحكم وإن كان عبارة عن الانشاء الصادر بداعي البعث و الزجر ولكنه لما كان انبعاث العبد وانزجاره عن الحكم، موقوفا على العلم به فلا محالة تكون الغاية المقصودة من الحكم، هي ان يعلم به العبد فينبعث، لا ان ينبعث مطلقا. وليس ذلك تقييدا للحكم بحيث يقيد بالعلم به، بل هو في مرتبة ذاته مطلق ولكن تأثيره في نفس العبد، يتوقف على توسط العلم، فهو قبل العلم به شأني لا بمعنى قصور من قبله ومن قبل المولى، بل هو من هذه الجهة تمام والقصور من قبل العبد من جهة جهله فصارت هذه سببا لخيبة الحكم وعدم إمكان تأثيره واما إذا علم به العبد، فلا محالة يصير فعليا منجزا، إذ الفرض انه إنشاء صدر بداعي البعث والتحريك لا بداع آخر وما كان مانعا عن فعليته وتأثيره قد زال بالعلم والانكشاف فلا يعقل عدم وصوله إلى مرتبة الفعلية الحتمية المساوقة لاستحقاق العقوبة على مخالفته.
وبالجملة، فحقيقة الحكم عبارة عن الانشاء بداعي البعث والزجر و هو وان لم يتقيد بالعلم والا لدار، ولكن تأثيره موقوف على العلم، فقبل العلم شأني وبه يصير فعليا لا محاله.
ولا يتوهم ان انبعاث العبد باحتمال الامر والحكم مما يمكن ان يستند إلى واقع الحكم ويجعل من غاياته، بداهة ان وجوده في متن الواقع وعدمه سواء في حصول الاحتمال وفي باعثيته فليس الانبعاث مستندا إلى واقع الحكم، واستناده إليه انما هو في صورة العلم به وانكشافه لدى العبد، فافهم.
وكيف كان، فكلامنا في العلم الاجمالي انما هو فيما إذا تعلق بحكم المولى أعني بإنشائه الصادر عنه بداعي بعث العبد من دون ان يكون هذا الانشاء مقيدا بالعلم به واما العلم بالاقتضاء أو الانشاء المجرد عن هذا الداعي فخارج عما نحن فيه، كما عرفت.