قصده أم لم يصادف، ففي كلتا الصورتين قد خرج العبد بفعله عن رسم العبودية وذي الرقية وصار بسببه طاغيا على المولى وهاتكا لحرمته فيكون فعله قبيحا عند العقل بما هو معنون بعنوان الهتك و الطغيان لا بعنوانه الذاتي: من شرب الخمر أو الماء.
نعم، الفرق بينهما ان الخمر مشتمل على المفسدة دون الماء ولكن لا ارتباط لذلك بما هو ملاك حكم العقل بقبحه، فان حكمه بذلك انما هو بجهة انتسابه إلى المولى وكونه مصداقا للطغيان والخروج عن رسم العبودية.
وبالجملة: فقد تبين مما ذكرنا، ان تقبيح العقل ليس لنفس تحقق مبادئ الفعل في النفس بل لوصولها إلى اخر مراتب الفعلية ومنتهى ما هو في اختيار العبد، وبعبارة أخرى: متعلق التقبيح في صورتي العصيان والتجري، هو نفس الفعل الصادر من العبد ولكن لا بعنوانه الذاتي بل بما هو معنون بعنوان الهتك أعني بجهة إضافته وانتسابه إلى المولى.
نقد كلام الشيخ في المقام:
ومما ذكرنا، تبين فساد ما ذكره الشيخ (قده) في هذا المقام ولنذكر خلاصة ما ذكره ثم نشير إلى ما فيه.
قال (قده) ما حاصله: ان القطع هل يكون حجة على القاطع وإن كان مخالفا أو انه حجة في صورة المصادفة فقط؟ ظاهر كلماتهم الاتفاق على الأول ويؤيده بناء العقلا على الاستحقاق وحكم العقل بقبح التجري ثم أورد الخدشة في الأدلة إلى أن قال: (واما بناء العقلا فلو سلم فإنما هو على مذمة الشخص من حيث إن هذا الفعل يكشف عن وجود صفة الشقاوة فيه لا على نفس فعله كمن انكشف لهم من حاله انه بحيث لو قدر على قتل سيده، لقتله، فان المذمة على المنكشف لا على الكاشف). انتهى.
أقول: اما ما ذكره أولا من إطلاق (الحجة) على القطع المخالف للواقع ففيه ما عرفت سابقا في معنى الحجية من كونها عبارة عن تنجيز الواقع وصيرورته بحيث يستحق عليه العقوبة وفي صورة المخالفة لا واقع حتى ينجز فإطلاق الحجة غير سديد.
واما ما ذكره أخيرا من أن التقبيح على المنكشف أعني خبث السريرة، ففيه ما عرفت من أن التقبيح على نفس الفعل فما هو المتعلق للتقبيح في صورتي المصادفة والمخالفة أمر واحد لا ان التقبيح في الأول على الفعل وفي الثاني على الصفة النفسانية بداهة اشتراكهما فيما هو الملاك