(فذلكة) قد اتضح لك من جميع ما ذكرناه أمور:
الأول: أن الاطلاق والتقييد وصفان للمدلول، فإنه الموضوع للحكم حقيقة، وإنما يتصف بهما اللفظ بالعرض والمجاز.
الثاني: أن الاتصاف بهما إنما يكون بلحاظ الموضوعية للحكم، وإلا فنفس المفهوم مع صرف وقال في أوائل العام والخاص ما لفظه: (إن العام ليس حكمه حكما جهتيا من حيث عنوان العالم مثلا فقط، بل حكم فعلي تام الحكمية، بمعنى أن العالم (وإن كان معنونا بأي عنوان) محكوم بوجوب الاكرام، فيكشف عن عدم المنافاة لصفة من صفاته وعنوان من عناوينه لحكمه) (انتهى). أقول: لا يخفى أن الحاكم بعد تصوره للعنوان الواجد للمصلحة، كعتق الرقبة مثلا لا بد من أن يلاحظ أنه واجد للمصلحة مطلقا معنونا بأي عنوان كان، أو أن الواجد لها هو عتق الرقبة المقترنة بالايمان مثلا، فنفس تعلق اللحاظ بالماهية إجمالا لا يكفي في جعلها موضوعة أو متعلقة للحكم، ما لم يلحظ أنها تامة المصلحة، أو أنها جز المحصل لها، ولكنه بعد ما رأى أن عتق الرقبة تمام الموضوع في تحصيل المصلحة يجعل نفس هذه الحيثية موضوعة للحكم من غير احتياج إلى لحاظ السريان، فتمام الموضوع للحكم هو نفس حيثية الماهية لا الماهية المقيدة بكونها تمام الموضوع أو بالسريان، ولكن تماميته ملحوظة باللحاظ السابق على جعلها موضوعة للحكم، إذ يجب على الحاكم أن يلحظ أن تمام المحصل للغرض هو نفس هذه الحيثية أو هي بضميمة حيثية أخرى. والظاهر أن مراد هذا المحقق من لزوم اعتبار الماهية في مقام الموضوعية بنحو اللا بشرط القسمي، هو ما ذكرناه من لزوم اعتبار التمامية في مرحلة تصور الموضوع وملاحظة جهاته لا في مرحلة جعل الحكم عليه، كما أن الظاهر أن مراد الأستاذ (مد ظله العالي) من عدم تعدي اللحاظ في المطلقات عن نفس الماهية هو عدم التعدي في مرتبة الموضوعية و جعل الحكم عليه، لا في المرحلة السابقة عليها. وبالجملة المطلق عبارة عما يكون في مقام جعل الحكم تمام الموضوع، بحيث كان النظر في هذا المقام مقصورا على ذاته، وهذا لا ينافي لحاظ تماميته في المصلحة الموجبة لتماميته في الموضوعية قبل مرتبة الجعل، وعلى هذا فلا تنافي بين الكلامين، نعم، الظاهر كون مشي الأستاذ (مد ظله العالي) في باب اعتبارات الماهية أمتن من مشي هذا المحقق، ولا سيما أنه يرد على ما سماه باللابشرط القسمي: أنا وإن سلمنا أن الحاكم قبل جعل الحكم في المطلقات يلاحظ أن الماهية بنفسها تامة في المصلحة والموضوعية وليست مقترنة بوجود القيد ولا بعدمه، و لكن لا يصير عدم الاقتران بوجود القيد ولا بعدمه من قيود الماهية، بل الملحوظ حينئذ نفس الماهية، غاية الأمر أنه تعلق لحاظ مستقل آخر بأن هذه الماهية غير مقترنة، لا بوجود شي ولا بعدمه، من دون أن يصير الملحوظ بهذا اللحاظ قيدا للملحوظ بذاك اللحاظ المتعلق بالماهية، إذ ليس كل مجتمعين في اللحاظ يجب أن يكون أحدهما قيدا للاخر، وهذا بخلاف القسمين الآخرين، ففي البشرط شي مثلا يصير الايمان الملحوظ باللحاظ الثاني قيدا للرقبة الملحوظة أولا، لكونه من حالاتها، فبطل ما سماه باللابشرط القسمي، وعده أحدا من اعتبارات الماهية من أصله وأساسه، فتدبر، فإن المسألة دقيقة جدا، و لأجل ذلك خرجنا من طور الاختصار. ح - ع - م.