لم يفرض وجوده، حتى يكون الحكم لوجوداته المفروضة، وهذا بخلاف البيع في نحو أحل الله البيع، فإن الصحة والامضاء إنما شرعت للبيع المفروض وجوده في الخارج.
التنبيه الرابع: موارد الاحتياج إلى مقدمات الحكمة:
لا يخفى أن الاحكام المتعلقة بالطبائع على نحوين: بعضها مما يمكن أن يتعلق بأصل الطبيعة مع فرض كون الموضوع لها بحسب الواقع والجد الطبيعة المقيدة، وبعضها مما لا يمكن تعلقها بأصل الطبيعة إلا إذا كان الموضوع واقعا هو نفس حيثيتها، فمثال القسم الأول الاحكام الايجابية كالأوامر مثلا، فإذا كان مراد المولى بحسب الواقع عتق الرقبة المؤمنة صح له أن يقول في مقام الانشاء: أعتق رقبة، و يكون غرضه ذكر القيد بعد ذلك، ومثال القسم الثاني الاحكام السلبية كالنفي والنهي، فلا يصح أن يقال لا رجل أو لا تعتق رجلا، إلا إذا كان المراد بحسب الواقع نفي حيثية الطبيعة المطلقة أو الزجر عنها و إن كان مراده نفي المقيد لم يصح إدخال حرف النفي على نفس الطبيعة، بلا ذكر القيد، لان حرف النفي موضوع لنفي مدخوله، وانتفاء الطبيعة بانتفاء جميع أفرادها، وهذا بخلاف الامر، فإنه لطلب إيجاد المتعلق، فإن كان المطلوب بحسب الواقع إيجاد المقيد أيضا صح في مقام الانشاء تعلق الامر بأصل الطبيعة، إذ وجودها بوجود فرد ما فإرادة إيجاد المقيد إرادة لايجادها أيضا، فيصح أن يتعلق الطلب بها ويذكر القيد بعده.
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: إن الاحتياج إلى مقدمات الحكمة إنما هو في القسم الأول، أعني الاحكام الايجابية، لما عرفت من صحة تعلق الحكم فيها بأصل الطبيعة مع كون المراد لبا هو المقيد، فنحتاج في إثبات الاطلاق إلى إحراز كون المولى في مقام بيان تمام الموضوع لحكمه وعدم كونه بصدد الاهمال.
وأما القسم الثاني، أعني الاحكام السلبية، فيمكن أن يقال فيها بعدم الاحتياج إلى مقدمات الحكمة، لما عرفت من أن كلمة (لا) مثلا موضوعة لنفي مدخولها، أي شي كان، فإن كان المدخول عبارة عن اللفظ الدال على نفس حيثية الطبيعة كان النفي متوجها إليها، و انتفاؤها كما عرفت إنما يكون بانتفاء جميع وجوداتها، فلا يحتمل الاهمال حتى ينتفي بإحراز كونه في مقام البيان، وبالجملة استفادة الاطلاق هنا إنما تكون بالاستعانة من وضع (لا) [1] لأنها لنفي [1] أقول: وهذا البيان يجري في لفظة (كل) ونحوها أيضا، مما وضع للشمول، فإنها وضعت لشمول المدخول، لا لشمول ما أريد منه لبا، فإن قلت: على هذا يلزم أن يكون التقييد بدليل منفصل موجبا للمجازية بالنسبة إلى لفظ (لا) أو (الكل) أو نحوهما، وإن لم يلزم المجازية بالنسبة إلى المدخول قلت: لفظة (كل) مثلا إنما