المتيقن لما كان الاطلاق مخلا بهذا الغرض، إذ الفرض تيقن المخاطب بأن هذا البعض المعين متيقن الإرادة، فهو يعلم بما هو بالحمل الشائع تمام غرض المولى، والمولى أيضا أحرز ذلك من ناحية المخاطب، فليس الاطلاق منه إخلالا بالغرض، لأنه بصدد بيان ما هو تمام الغرض بالحمل الشائع، وقد بينه، لا بصدد بيان أنه تمامه كي يقال: إنه أخل ببيانه. هذه خلاصة ما ذكر في تقريب مقدمات الحكمة.
أقول: لا يخفى أنه بناء على ما ذكره القوم من احتياج الاطلاق في مقام الثبوت إلى لحاظ السريان يصير المطلق عاما، ويكون موضوع الحكم بحسب الحقيقة أفراد الطبيعة، فإن تمت المقدمات الثلاث يحرز بسببها للمخاطب ما هو تمام غرض المولى، أعني الاطلاق و العموم، وإن تمت الأوليان وانتفت الثالثة بأن كان في البين قدر متيقن، ففي بادي النظر تكون موضوعية الافراد المتيقنة معلومة، و بقية الافراد مشكوكا فيها، ولكن هذا الشك بدوي ينقلب قهرا إلى العلم بكون البعض المتيقن تمام الغرض، فيحرز التمام بما أنه تمام أيضا، ووجه ذلك أن المفروض بحسب المقدمة الأولى كون المولى بصدد بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه من الجميع أو البعض، و المفروض بحسب المقدمة الثانية عدم قرينة معينة في البين، وحينئذ فإذا فرض كون البعض المعين متيقن الإرادة فلا محالة يحصل للمخاطب - بضم المقدمة الأولى إلى هذا المتيقن - الجزم بأن هذا البعض المعين تمام الموضوع للحكم، وأن ما عداه من الافراد ليس موضوعا له، إذ الواصل إليه هو موضوعية هذا البعض المعين، والباقي مشكوك فيه، ولم يصل بالنسبة إليه بيان، والمفروض بحسب المقدمة الأولى كون المولى بصدد بيان ما هو تمام الموضوع فيظهر من ذلك عدم موضوعية الافراد المشكوك فيها.
والحاصل: أنه بعد ما فرض تحقق المقدمتين الأوليين، ووجود القدر المتيقن في البين يتحقق شكل ثان، ينتج كون القدر المتيقن تمام غرض المولى، وصورة الشكل هكذا: لا شي من غير القدر المتيقن بمعلوم، وكل ما هو مراد المولى معلوم، ينتج لا شي من غير القدر المتيقن بمراد، أما الصغرى فواضحة، وأما الكبرى فبمقتضى المقدمة الأولى.
وبالجملة: يحرز بذلك غرض المولى وهو البعض ويعلم أيضا أنه تمامه.
فما في الكفاية من أنه بعد إحراز المقدمتين الأوليين، ووجود القدر المتيقن في البين يعلم تمام غرض المولى، وإن لم يعلم أنه تمامه، فاسد كما لا يخفى.