وقال في الكفاية أيضا ما حاصله: إن العموم بمعنى الشمول ليس في نفسه منقسما إلى الافرادي والمجموعي والبدلي، وإنما ينقسم إلى هذه الاقسام باعتبار تعلق الحكم بالعام واختلاف كيفية تعلقه به، فتارة يتعلق به الحكم بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة، وأخرى بنحو يكون المجموع موضوعا واحدا، وثالثة بنحو يكون كل واحد موضوعا ولكن على البدل (انتهى).
أقول: ما ذكره (قده) في غاية الفساد، فإن الموضوع (أعني العام) قبل أن يلحقه الحكم، بل وقبل أن يتصور الحكم ينقسم إلى الأقسام الثلاثة بذاته. [1] توضيح ذلك: أن المفهوم المتصور في الذهن إما جزئي وإما كلي، ثم الكلي إما أن لا يجعل مرآة لافراده، بل ينظر في نفسه فهو العام المنطقي، وإما أن يجعل مرآة لها ووسيلة للحاظها، وهو على ثلاثة أقسام، فإن الوجودات الملحوظة بوسيلة هذه المرآة متكثرة بذواتها يستقل كل واحد منها في متن الواقع، وحينئذ فقد يكون النظر إليها بوسيلة هذه المرآة بما هي متكثرات ومستقلات، كما هي كذلك بذواتها قبل النظر إليها، فالعام أصولي استغراقي، وقد يكون النظر إلى هذه المتكثرات مع اعتبار وحدة لها فالعام مجموعي، وقد يكون النظر إليها لا بنحو يقع في عرض واحد، بل بنحو يلحظ كل فرد منها ولا يقف اللحاظ والنظر عنده، بل ينتقل منه إلى فرد آخر و هكذا، فيكون المنظور إليه بهذه المرآة هذا أو ذاك أو ذلك إلى آخر الافراد فيسمى العام بدليا.
وبالجملة: جعل المفهوم مرآة للحاظ أفراده بنحو من هذه الأنحاء الثلاثة لا يتوقف على لحاظ كونه موضوعا لحكم، بل بعد لحاظه بنحو منها قد يجعل موضوعا لحكم وقد لا يجعل، فافهم.
تذنيبات:
الأول:
الأصل في العموم كونه بنحو الاستغراق، فإنه لا يحتاج إلى تصور أمر زائد ومؤنة زائدة وراء جعل المفهوم مرآة للحاظ الافراد، فإنها بالذات متكثرات ومستقلات ومقتضى ذلك هو الاستيعاب، وهذا بخلاف المجموعي فإنه يحتاج مع ذلك إلى اعتبار قيد الوحدة في المتكثرات بالذات، وبخلاف البدلي فإنه يحتاج إلى اعتبار التردد بينها.
[1] وإن شئت قلت: إن رتبة الموضوع متقدمة على رتبة الحكم، فيجب أن يكون في الرتبة السابقة ملحوظا بخصوصياته الدخيلة في موضوعيته التي منها كونه بنحو الوحدة أو الكثرة ونحوهما، نعم يمكن أن يوجه كلام صاحب الكفاية (قده) بأن أحدا من العقلا لا يتصور العام ولا يجعله مرآة للافراد بأحد الأنحاء، إلا إذا أراد إثبات حكم له، وإلا كان تصوره لغوا. ح - ع - م.