ثم أجاب عنه بما حاصله أن لفظة (إله) بمعنى واجب الوجود وحينئذ فنفي الوجود من جميع أفراده إلا الله يدل على نفي الامكان عن غيره أيضا، إذ لو أمكن وجودها لوجدت إذ المفروض كونها من أفراد الواجب.
ويرد عليه: أن تفسير كلمة (إله) بمفهوم واجب الوجود مما ينافي المتفاهم العرفي، فإن مفهوم الواجب من المفاهيم المصطلحة في العلوم العقلية، وليس مما ينساق إلى أذهان الاعراب الجهال الذين أمروا بذكر كلمة الاخلاص في صدر الاسلام.
فالتحقيق أن يقال: إن العرب في صدر الاسلام لم يكونوا مشركين في أصل واجب الوجود، بحيث يعتقدون وجود آلهة متعددة في عرض واحد، بل كانت صفات الألوهية ثابتة عندهم لذات واحدة، وإنما كانوا مشركين في العبادة، حيث كانوا يعبدون بعض التماثيل التي ظنوا أنها وسائط بينهم وبين الله، وكانوا يعتقدون استحقاقها للعبودية أيضا، كما يشهد بذلك قوله تعالى حكاية عنهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله فكلمة الاخلاص وردت لردعهم عن ذلك فمعناها نفي استحقاق العبودية عما سواه كما يشهد بذلك معنى كلمة (إله) فإنها بمعنى المعبود وبالجملة: كلمة الاخلاص لاثبات التوحيد في العبادة لا في الألوهية، إذ التوحيد في أصل الألوهية كان ثابتا عندهم قبل الاسلام أيضا، فافهم.