فإن قلت: لو كانت استفادة المفهوم مبتنية على استفادة العلية المنحصرة من الشرط - كما هو مسلك المتأخرين - لزم تطابق المفهوم و المنطوق في الشمول أيضا، فإن الحكم في الجزاء ينحل إلى أحكام عديدة، كما هو مقتضى العموم والاستغراقي، والمفروض انحصار علة الجميع في الشرط فبانتفائه تنتفي علة جميع هذه الأحكام، فتنقلب بأجمعها من الايجاب إلى السلب أو بالعكس.
قلت: علية الشرط بنحو الانحصار إنما هي بالنسبة إلى حكم الجميع، لا كل فرد فرد بالاستقلال، فعلة الموجبة الكلية مثلا تنحصر في الشرط، وهذا لا ينافي إمكان استناد الحكم في بعض الافراد إلى علة أخرى عند عدم ثبوت الحكم للجميع.
فإن قلت: الحكم في العام الاستغراقي ليس ثابتا للمجموع، بل لكل فرد فرد، فإن العام يلحظ فيه مرآة للحاظ الافراد التي هي الموضوعات حقيقة، ولا دخالة لوصف العموم والاجتماع.
قلت: لا نسلم عدم لحاظ وصف العموم في مقام الحكم، بل الحكم حكم واحد، وموضوعه أمر وحداني وهو العام، وليس هنا موضوعات متعددة وأحكام متكثرة مستقلة [1] ولذا قالوا: إن نقيض السلب الكلي الايجاب الجزئي، ونقيض الايجاب الكلي السلب الجزئي، فافهم.
[1] أقول: ربما يقال في جواب الاشكال: إن العام وإن لوحظ مرآة للحاظ الافراد، ولكنه لا منافاة بين لحاظه كذلك في مقام الحكم، و بين لحاظه أمرا وحدانيا في مقام التعليق، فالحكم ثابت للافراد، و التعليق إنما هو بلحاظ المجموع، وبالجملة: التفكيك بين مقام الموضوعية للحكم وبين مقام التعليق ممكن ثبوتا، فيكون التبادر دليلا عليه في مقام الاثبات كما يظهر ذلك بالتأمل في مفهوم قولهم:
لو كان معك الأمير فلا تخف أحدا ونحو ذلك من الأمثلة (انتهى).
ويرد عليه: أن المعلق ليس هو الموضوع حتى يقال بلحاظه في مقام التعليق أمرا وحدانيا، بل المعلق في جميع التعليقات هو الحكم الثابت للموضوع، والفرض أنه يسلم انحلال الحكم وكثرته، ولم يصدر عن المولى حكمان أحدهما على الافراد والثاني على العام بما هو عام، حتى يقال بكون التعليق بلحاظ الثاني، فافهم.
فالحق في الجواب ما ذكره سيدنا الأستاذ العلامة (مد ظله العالي) إذ ما اشتهر بينهم من أن العام في العمومات الاستغراقية ليس موضوعا حقيقة بل يكون مرآة للحاظ الافراد - التي هي الموضوعات حقيقة - كلام خال عن التحصيل، لاستلزامه صدور أحكام غير متناهية وتحقق إرادات غير متناهية أو غير محصورة فيما إذا حكم المولى بنحو القضية المحصورة، أو صدور إخبارات غير محصورة فيما إذا أخبر كذلك، ويلزم عليه أيضا عدم كون الموجبة الجزئية نقيضا للسالبة الكلية وبالعكس، وهو كما ترى. وقد حقق في محله أن القضية المحصورة برزخ بين الطبيعية وبين القضايا الشخصية، وأن الحكم فيها يصدر بنحو الوحدة على موضوع وحداني، من غير فرق بين الحكم الانشائي والاخباري، والتكثر يحصل بتحليل العقل. ح - ع - م.