ثبوت الواسطة بين المنطوق والمفهوم، فإن المدلول السياقي واللوازم غير البينة خارجتان (بنظره) منهما، وأما بناء على ما ذكرناه فلا تثبت الواسطة، فإن المداليل الالتزامية بينة كانت أو غير بينة داخلة عندنا في المنطوق، كما عرفت.
ولعل ما ذكره في الكفاية في باب المفاهيم أمتن ما ذكره المتأخرون، فلنشر إليه، قال (قده) في تعريف المفهوم: (إنه عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ بتلك الخصوصية).
أقول: وفيه نظر إذ الخصوصية إن كانت مما دل عليه اللفظ كانت داخلة في المعنى فاستتباع الخصوصية للمفهوم عبارة أخرى عن استتباع نفس المعنى له، وهو عبارة أخرى عن الدلالة الالتزامية، فيبقى السؤال عن وجه تعبيره (قده) عن الدلالة الالتزامية بهذا التعبير، وإن لم تكن الخصوصية مما دل عليه اللفظ ولم تكن داخلة في المعنى فيبقى السؤال عن وجه تخصص المعنى بها مع عدم دلالة اللفظ عليها، (مثلا) في قوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) لفظة (إن) تدل على العلية، ثم إن خصوصية الانحصار إن كانت من لوازم هذا المعنى، فالدلالة على المفهوم أعنى الانتفاء عند الانتفاء دلالة التزامية منطوقية، وإن لم تكن من لوازمه فأية جهة لتخصصه بها.
ثم شرع (قده) في بيان مفهوم الشرط، فقال: (إن ثبوته يتوقف على دلالة الجملة الشرطية على اللزوم وترتب الجزاء على الشرط بنحو العلية المنحصرة).
ثم قال: (إن دلالتها على أصل اللزوم مسلمة، وأما الدلالة على الترتب فضلا عن العلية والانحصار فللمنع عنه مجال)، ثم ذكر للدلالة على العلية المنحصرة خمس تقاريب، ورد جميعها فاختار عدم ثبوت المفهوم في الجمل الشرطية.
والتقاريب الخمس عبارة عن دعوى التبادر، ودعوى الانصراف، و دعوى جريان مقدمات الحكمة بثلاثة أنحاء، وقد ذكرنا حين ما نحضر درسه (قده) تقريبا سادسا، (وحاصله) أن قوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) ظاهر في كون خصوصية المجئ دخيلة في ثبوت الجزاء، فيكون لازم ذلك كون المجئ علة منحصرة، إذ لو كانت هنا علة أخرى كانت العلة هي الجامع بينهما، لا خصوص كل منهما لعدم إمكان صدور الواحد (بما هو واحد) عن الاثنين (بما هما اثنان).
وبعبارة أخرى: التعليق على المجئ ظاهر في كون المجئ بما هو مجئ بخصوصه علة، لا بما أنه مصداق للجامع بينه وبين امر آخر، و لازم ذلك هو الانحصار.