ويمكن أن يناقش فيه بأن لنا أن نختار الوجه الثاني، ونقول باشتراكهما في التأثير نظير توارد العلل التامة العقلية، أو نختار الوجه الرابع، ونقول في صورة التعاقب باستناد الأثر إلى أولهما، حيث إنه إذا أثر لم يبق محل لتأثير الثاني.
وبالجملة: هذا الاستدلال لا يغني عن جوع. واستدل الشيخ الأنصاري (قده) على عدم التداخل بما ملخصه بتوضيح منا: أن الظاهر من الجملة الشرطية كون شرطها علة تامة فعلية لجزائها مطلقا، سواء وجد حينه أو بعده أمر آخر أم لا، ومقتضى ذلك تعدد المسبب. فإن قلت: متعلق الوجوبين في الجزاءين طبيعة واحدة وهي التوضؤ مثلا، والظاهر كونها بإطلاقها متعلقة للامر، والطبيعة الواحدة التي لم يلحظ فيها جهة الكثرة يستحيل أن يتعلق بها وجوبان مستقلان، إذ كثرة التكليف إما بكثرة المكلف أو المكلف أو المكلف به، فإن صرف الشئ لا يتثنى ولا يتكرر، وإنما يتكرر بسبب ماله إضافة إليه، وللتكليف ثلاث إضافات، - كما عرفت في محله - والمفروض فيما نحن فيه وحدة المكلف والمكلف والمكلف به، فتستحيل كثرة التكليف مع وحدتها، وبالجملة: مقتضى إطلاق المتعلق تداخل الأسباب ووحدة التكليف.
قلت: إطلاق المتعلق إنما هو بمقدمات الحكمة، ومنها عدم البيان، و ظهور الشرط في السببية التامة يكفي بيانا لرفع اليد عن إطلاق المتعلق، وبعبارة أخرى: ظهور كل من الشرطين في كونه سببا مستقلا فعليا يكون واردا على إطلاق المتعلق، ويصير دليلا على عدم تعلق الوجوب بنفس الطبيعة، بل يكون متعلقا في إحدى القضيتين بفرد منها، وفي الأخرى بفرد آخر، فظهور الشرط دليل على تقييد المتعلق [1] انتهى).
[1] فإن قلت: ظهور كل من الشرطين في السببية التامة الفعلية أيضا بالاطلاق، فإن مقتضى الاطلاق سببيته بهذا النحو، سواء وجد معه أو بعده شرط آخر أم لا، فلم يحكم إطلاق الشرط على إطلاق المتعلق و لا يعكس؟ قلت: إذا قال الشارع إذا بلت فتوضأ مثلا فللجملة الشرطية المذكورة ظهوران: أحدهما ظهور إطلاقي، وهو ظهورها في سببية البول للوجوب بالسببية التامة الفعلية، سواء وجد معه النوم مثلا أم لا، وثانيهما ظهور عرفي غير مستند إلى الاطلاق وهو ظهور قوله: (إذا بلت) في كون كل فرد من البول سببا مستقلا لوجوب الوضوء في قبال الأبوال الاخر، وهذا ظهور عرفي يفهمه العقلا عند ملاحظتهم الأسباب العقلية والعادية الخارجية، حيث يكون كل فرد منها سببا لوجود فرد من المسبب غير ما وجد بسبب الفرد الآخر، وليس هذا الظهور مستندا إلى الاطلاق حتى يعارض بإطلاق المتعلق، فهو القرينة على تقييد المتعلق، وبذلك يفرق بين الأوامر المعلقة على الأسباب وبين الأوامر الابتدائية المتكررة، حيث لا توجد فيها قرينة لتقييد المتعلق، وبذلك يستشكل على تقديم التأسيس فيها على التأكيد. وجه الاشكال أن التأسيس يستلزم تقييد المتعلق والأصل عدمه.