فالامر بالأهم رتبته قبل العصيان، والامر بالمهم رتبته متأخرة عنه، لكونه موضوعا له، ورتبة الحكم متأخرة عن رتبة الموضوع بالضرورة، وحينئذ فلا توجد بينهما مزاحمة أصلا، كما هو واضح لا سترة عليه. [1] [1] ليس المصحح للامر بالمهم في ظرف عصيان الأهم ما ذكروه من اختلاف الرتبة، فإن الامر بالأهم وإن لم يكن له إطلاق لحاظي بالنسبة إلى حال عصيانه (كما لا إطلاق له بالنسبة إلى حال إطاعته) لكن الاطلاق الذاتي موجود بمعنى أن الامر بالأهم موجود للمكلف، سواء كان مطيعا أو عاصيا في متن الواقع، بداهة عدم تعقل الاهمال الثبوتي، كيف ولو كان ما ذكروه من اختلاف الرتبة كافيا في تصحيح الامر بالمهم (مشروطا بعصيان الأهم) لكان اللازم جواز الامر بالمهم مشروطا بإطاعة الأهم أيضا، ضرورة اشتراك العصيان و الإطاعة في أن الامر ليس له إطلاق لحاظي بالنسبة إليهما، وله إطلاق ذاتي بالنسبة إلى كليهما.
فإن قلت: الامر ثابت للمكلف بما هو إنسان اجتمعت فيه شرائط التكليف لا بما هو مطيع أو عاص أو بما هو مطيع وعاص، وبعبارة أخرى: الامر وإن كان ثابتا للمكلف، سواء كان مطيعا أو عاصيا، لكنه ليس بما هو مطيع أو عاص، وحينئذ فليس للامر بالنسبة إلى عنواني الإطاعة والعصيان إطلاق ولا تقييد.
قلت: ليس معنى إطلاق الحكم بالنسبة إلى عنوان، سراية الحكم إلى هذا العنوان، بحيث يصير هذا العنوان جزا لموضوع الحكم، وإلا فلا نجد نحن مثالا للمطلق، ضرورة أن قوله: (أعتق رقبة) مثلا من أمثلة المطلقات من جهة إطلاق الرقبة بالنسبة إلى المؤمنة والكافرة، مع أنه ليس معنى الاطلاق فيها أن عنوان الكفر أو الايمان له دخالة في الحكم، بحيث تصير المؤمنة بما هي مؤمنة، أو الكافرة بما هي كافرة موضوعا للحكم، بل معنى الاطلاق فيها هو أن الرقبة بما هي رقبة تمام الموضوع، ولازم ذلك سريان الحكم بسريانها الذاتي، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث المطلق والمقيد.
وبالجملة: ليس الملاك في تصحيح الامر بالمهم ما ذكروه من اختلاف الرتبة، بل الملاك فيه هو وجود الامرين بنحو لا يتزاحمان في مقام التأثير، وبيان ذلك هو ما ذكره سيدنا العلامة الأستاذ الأكبر (مد ظله العالي) وقد صرح بما ذكرنا هو (مد ظله) في مبحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري. ثم إن الأنسب أن نعيد ما ذكره (مد ظله) في تصحيح الترتب ببيان آخر لعلك تطلع على ما هو الحق، فنقول:
لا إشكال في أن التكليف بالمحال بنفسه محال، فإن التكليف الحقيقي إنما يصدر عن المولى بداعي انبعاث المكلف وتحركه نحو متعلقه، فإذا كان المتعلق أمرا محالا لا يتمكن المكلف من إيجاده فكيف ينقدح في نفس المولى الملتفت إرادة البعث والتحريك نحوه، و المراد من التكليف بالمحال هو أن يكون المتعلق للتكليف أمرا يستحيل صدوره عن المكلف، وذلك مثل أن يأمر المولى عبده بالطيران إلى السماء، بلا وسيلة، أو بالجمع بين الضدين مثلا، هذا إذا كان نفس ما تعلق به التكليف من المحالات.
وأما إذا كان لنا أمران مستقلان تعلق أحدهما بأحد الضدين والاخر بالضد الاخر مع عدم سعة الزمان المقدر لهما إلا لأحدهما، فصدور هذين التكليفين عن المولى أيضا من المحالات، ولكن لا من جهة لزوم التكليف